المحرر السياسي
شطحة الفاضي
الساعة 04:50 مساءاً
المحرر السياسي


كتبه المحرر السياسي

أي معركة جانبية في هذا الظرف، لا تُوجَّه سهامها نحو الحوثي، فهي تخدم الحوثي ومليشياته الإرهابية، وتسانده، وتُطيل بقاءه على كرسي السلطة الذي اغتصبه ليحكم اليمن بالحديد والنار. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات النائب البرلماني شوقي القاضي خادمةً للحوثي، بشطحته التي لم يسبقه إليها حتى الحوثيون أنفسهم. فقد اختار القاضي لحظةً حسّاسةً لإطلاق اتهامات خطيرة، مستهدفًا فصيلاً أصيلاً من الجيش الوطني والمقاومة الوطنية، في مسعى لا يمكن فهمه إلا باعتباره محاولةً لزرع الفتنة، وتمزيق النسيج الوطني بدلًا من توحيده ضد الحوثي، عدوِّ اليمنيين المشترك.

"الحرص على الوطن" عبارةٌ هدفها ومعناها نبيل وسامٍ، لكنها بالنسبة لشوقي الفاضي مجرد "شُبابة" ينفخها متى شاء الإساءة للآخرين، ويُحكم إغلاقها بشعاراتٍ رنّانة مثل "توحيد الصف الجمهوري" و"مواجهة المشروع الإمامي". لكن القاضي تحوّل هذه المرة، وبلا مقدمات، من "نافخ شُبابة" إلى "نافخ كير"، حينما ظهر مؤخرًا على شاشة قناة المهرية، التي باتت منصةً لخدمة الحوثي ورعاته، ليتهم قوات العميد طارق صالح بالسعي لتشكيل "دويلة" في الساحل الغربي. هذه التصريحات لم تكن مجرد زلّة لسان، بل بدت كطعنةٍ في ظهر كل من يقاوم المشروع السلالي، ولكل المكونات الوطنية التي قاتلت هذا المشروع الخبيث ببسالة، وتشبثت بجمهوريتها بأسنانها قبل سلاحها.

كان يُفترض بشوقي القاضي أن يكون صوتًا للقضية الوطنية. وبدلًا من توجيه سهامه نحو الحوثيين، اختار مهاجمة قواتٍ وطنية مشهودٍ لها بالكفاءة والجاهزية، تدافع عن الحلم اليمني، وتتمركز في الساحل الغربي الذي هو جزءٌ أصيل من اليمن الكبير بانتظار ساعة الصفر لتحرير كافة التراب اليمني من الرجس الحوثي، متهِمًا إياها بمحاولة فصل المخا وباب المندب عن اليمن. هذا الاتهام الذي لا وجود له في مخيلة الفاضي، ليس إلا محاولة لزرع الشكوك بين مكونات الشرعية، في وقتٍ تحتاج فيه اليمن إلى وحدة الصف لمواجهة مليشياتٍ تغتصب السلطة وتنهب مقدّرات البلاد.

الفاضي، الذي يرفع اليوم شعار "وحدة الجبهة الجمهورية"، بدا وكأنه يقود الانقسام بنفسه، ولم تكن هذه سقطته الأولى؛ فهو منذ شهور يوزّع صكوك الوطنية على هواه، وكأن الجمهورية ملكيةٌ خاصة. أما تصريحاته الأخيرة، فلم تكن نقدًا بنّاءً أو استقراءً منطقيًا كما حاول أن يُظهر، بل مسرحية باهتة، بدا وكأن جُلّها كُتب بإملاءات أصحاب أجنداتٍ مشبوهة، حتى وإن غلّفها بالدعاء أن يكون "ظنّه خائبًا"، وهو كذلك بالفعل. فإذا كانت هناك “دويلة” تتشكّل كما يزعم القاضي، فهي ليست في المخا وما جاورها، بل في عقول بعض الساسة الذين فقدوا البوصلة، واختاروا الوقيعة والخديعة بوابةً للنجاة، بدلًا من الدفاع عن الوطن. فالواقع يقول – بل ويؤكد – إن المخا ليست مشروع انفصال، بل رمزٌ لصمود اليمنيين، وامتدادٌ طبيعي لتعز والحديدة وكل الجغرافيا اليمنية التي رفضت الخضوع للحوثي وأسلافه الإماميين.

هذا البرلماني، الذي كان يُفترض أن يكون صوتًا وطنيًا وسهمًا في جعبة الشرعية، تحوّل – سواء عن قصد أو غياب بصيرة – إلى أداةٍ لتسويق سرديّاتٍ تخدم الحوثيين وتُطيل أمد معاناة اليمنيين. والأمر المثير للدهشة أن القاضي، الذي لا يزال يحمل صفة نائبٍ برلماني، لم يُشاهد في جبهة قتال محفّزًا للجنود، أو في مستشفى ميداني، أو موقع دعمٍ للنازحين، بل حصر دوره في التنقل بين المنابر الإعلامية ليُحاضر في الوطنية، بينما يُساهم – عمليًا – في تمزيق النسيج الوطني، وكما يقول المثل الشعبي: “من طول الغيبة جاب الغنايم”، لكن القاضي عاد هذه المرة حاملًا ألغامًا سياسية، زرعها في جسد وطنٍ ينزف منذ عقدٍ من الزمن.

اليمن اليوم بحاجة إلى أصوات تجمع ولا تفرّق، إلى نوابٍ يُساندون المقاتلين في الجبهات لا لمن يهاجمونهم في الشاشات، إلى قادةٍ يبنون جسور الثقة، لا ليزرعون ألغام الشك. كل كلمة تُقال، وكل اتهامٍ يُطلق، يجب أن يُوجّه نحو استعادة الدولة، وليس لتمزيق ما تبقّى منها، فالوطنية ليست شعاراتٍ تُطلق خلف الأبواب المغلقة أو عبر المنابر الإعلامية وحسب ، بل دماءٌ تُراق وتضحياتٌ تُقدّم. سهامنا ينبغي أن توجه نحو العدو الحقيقي، عدوّنا المشترك؛ فليس لنا عدوٌّ إلا الحوثي المدعوم من إيران ومليشياته الباغية.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص