الرئيسية - محافظات وأقاليم - قراءة تحليلية لمقابلة الرئيس العليمي مع قناة (روسيا اليوم)..رسائل نارية لجهات مختلفة والقضية واحدة
قراءة تحليلية لمقابلة الرئيس العليمي مع قناة (روسيا اليوم)..رسائل نارية لجهات مختلفة والقضية واحدة
الرئيس العليمي في مقابلة مع قناة روسيا اليوم
الساعة 12:59 صباحاً (الميثاق نيوز - خاص)

في مقابلة سياسية دقيقة مع قناة "روسيا اليوم"، قدّم الرئيس رشاد العليمي خطاباً متماسكاً يهدف إلى تعرية جماعة الحوثي فكرياً وسلوكياً، وتأكيد التزام الدولة اليمنية بخيار السلام، مقابل جماعة لا تؤمن إلا بالحرب والابتزاز.

فقد حوت المقابلة؛ الكثير من الرسائل الموجهة لاطراف عدة داخليا وخارجيا فقد أتت المقابلة في توقيت حساس، تميز بجمود في المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية، وبتصاعد الاعتداءات الحوثية في البحر الأحمر، واستمرار تدخلات إيران في المشهد اليمني، علاوة على تعقيدات دولية ناتجة عن تداخل ملفات اليمن بغزة ومضيق باب المندب.

 

الرسائل الاستراتيجية الرئيسية 

اختيار قناة روسية رسمية يعكس توجهاً دبلوماسياً محسوباً، يستهدف مخاطبة موسكو مباشرة، ليس فقط لإعادة التذكير بدورها في مجلس الأمن، بل لمحاولة توسيع الدعم السياسي الدولي لمجلس القيادة الرئاسي خارج النطاق الخليجي والغربي التقليدي.

محاولة إعادة التموضع الروسي

خلال اللقاء راهن فخامة الرئيس العليمي على "الذاكرة الروسية" المرتبطة بالحرب ضد النازية، لبناء حالة وجدانية تضاد مع الأيديولوجيا الحوثية، التي وصفها بـ"النازية الجديدة". هذا الاستخدام الرمزي ذكي، لأنه يوظف أحد أكثر الخطوط الحمراء في السياسة الروسية، ألا وهو مناهضة الفاشية والنازية.
 
أذا الطرح لا يهدف فقط لإحراج روسيا أمام العالم إن ساندت الحوثيين، بل أيضاً لمحاولة خلق سردية تربط بين قيم الدولة الروسية المدنية، والشرعية اليمنية، ما يشكل نوعاً من (تأطير أخلاقي) للموقف الروسي.

تجريد ميليشيا الحوثي من أي شرعية تسعى اليها

وصف فخامته الحوثيين بأنهم "طائفيون ثيوقراطيون"، و"لا يؤمنون بالشراكة"، و"يحكمون كأنهم خلقوا لذلك"، هو جزء من استراتيجية إعلامية هدفها تجريد الجماعة من أي مشروعية سياسية، ووصمها بنزعات دينية -عنصرية لا تتوافق مع قيم الدولة المدنية الحديثة.
تعمد الرئيس وصف ميليشيا الحوثي بصيغة مكررة ومتصاعدة في الشدة (ثيوقراطية، عنصرية، نازية)، لإيصال رسالة موحدة للمجتمع الدولي مفادها لا سلام مع جماعة ترى نفسها فوق الشعب.

أزمة الطائرات.. صورة مصغرة لذهنية المليشيا

 
استخدم الرئيس حادثة تدمير الطائرات الأربع الخاصة بشركة الخطوط الجوية اليمنية كمثال حي على السلوك العدمي والانتقامي للحوثيين. حيث أوضح كيف أن الجماعة اختطفت ثلاث طائرات مخصصة لنقل الحجاج المسنين واحتجزتها في مطار صنعاء رغم التحذيرات من القصف الإسرائيلي، ثم أصرت لاحقاً على إعادة الطائرة الرابعة إلى نفس الموقع، مما أدى إلى تدميرها أيضاً.
 
بتصرفهم هذا، عززت المليشيات الحوثية من صورتها كمنظمة إرهابية عدمية انتهازية، عارية من أي مسؤولية، وبيّن عنادها أنها الجهة الوحيدة التي تسببت بتدمير تلك الطائرات، من خلال تحويل منشآت مدنية إلى دروع بشرية.
في المقابل، اختار الرئيس العليمي ومجلس القيادة الانحياز للمرافق العامة والمدنيين، والابتعاد عن منطق الانفعال أو الانتقام.
 حديث فخامته عن قضية الطائرات بينت بوضوح الفارق الجوهري بين قيادة مسؤولة تسعى لحماية الإنسان والبنية التحتية، وبين جماعة عدمية لا تعبأ بحياة الناس أو مقدرات الدولة، وهي ذات المقاربة التي بدأت تتبناها قوى كبرى في مواجهة السلوك الإيراني عبر ميلشياته المنفلتة.
 

 إبراز فشل الحوثيين في اختبار "السلام"

سعى الرئيس العليمي خلال اللقاء لإثبات أن السلام لم يفشل بسبب الحكومة الشرعية، بل بسبب جماعة ترفض أصل العملية السياسية من خلال السرد التفصيلي للمبادرات التي قدمتها الأمم المتحدة، والتحالف، ومجلس القيادة، والتي رفضتها الميليشيا الانقلابية تكرارا.
   هذا الطرح من فخامته هدف لخدمة مسارين أولهما، تحصين موقف الحكومة داخلياً أمام جماهير الشعب المتعب من الحرب؛ وثاني المسارات، حشد التعاطف الدولي لصالح دعم عسكري محتمل تحت ذريعة فشل المسار السلمي.

  التقاطع مع الأجندة الأمريكية والغربية

 
لم يكتفِ فخامة الرئيس بالإشادة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي ادرج الحوثيين على قائمة الإرهاب، بل استخدم سردية "الردع بالقوة" بعد الضربات الأمريكية، لإثبات أن هذه الجماعة لا تفهم سوى لغة القوة؛ هذا الطرح من شأنه تعزيز الطرح اليمني داخل أروقة القرار الأمريكي، خاصة لدى الأجنحة التي تميل لنهج فريق الصقور في البيت الأبيض تجاه الحوثيين وإيران.

الرسائل الموجهة لروسيا 

 
خلال المقابلة استخدم الرئيس العليمي نبرة هادئة مع روسيا، فأثنى على مواقفها السابقة، وربطها بالقيم المدنية الروسية. لكنه في الوقت ذاته، أرسل رسائل تحذيرية ناعمة، مفادها أن دعم الحوثيين، أو حتى الصمت عنهم، يعني الوقوف إلى جانب جماعة عنصرية تخالف مبادئ روسيا ذاتها. وهذا خطاب ذكي متعددة الطبقات، يرمي إلى منع روسيا من التحول إلى حليف صامت أو داعم للحوثيين في لحظة قد تبحث فيها موسكو عن حلفاء يقلقون النفوذ الغربي في المنطقة.
 

الرسائل الداخلية

حرص الرئيس العليمي التأكيد على وحدة مجلس القيادة الرئاسي، رغم تعدد مكوناته، مشيراً إلى مرجعيات حاكمة ومشتركة. هذا الخطاب يأتي في وقت تكثر فيه الأحاديث عن التباينات داخل المجلس، ويدرك الرئيس أهمية إظهار التماسك، خاصة أمام الخارج. وهنا حاول فخامته بناء صورة لقيادة سياسية موحدة، رغم التحديات، لتفادي إضعاف موقف الشرعية في المفاوضات، وأمام الخصوم، خصوصاً الحوثيين الذين يراهنون على التفكك السياسي للشرعية.
 

الرسائل للمجتمع الدولي 

 وفيما يخص المجتمع الدولي حرص فخامة الرئيس على دمج الأزمة اليمنية في الإطار الإقليمي والدولي من خلال الإشارة الى دعم إيران للحوثيين، ربط الحوثيين بغزة بطريقة انتقادية، الإشادة بالتحالف العربي، والإشارة إلى الإجماع الدولي الداعم للشرعية، هذا الخطاب من شأنه تذكير المجتمع الدولي خصوصا الغربي منه ان الأزمة أضحت تهديد للأمن الإقليمي والدولي، وليس شأناً يمنياً داخلياً فقط.
 
بالمجمل، المقابلة تندرج ضمن ما يسمى بـ (الدبلوماسية عبر الإعلام) وتكشف عن القدرة العالية لفخامة رئيس مجلس القياد الرئاسي في مخاطبة الرأي العام الدولي بلغات متعددة، ليس فقط لغوياً، بل سياسياً وثقافياً أيضاً.
خلاصة القول ان الرئيس العليمي لم يخاطب موسكو فقط، بل وجه رسائل متعددة للداخل والخارج مفادها أن الحوثيون خطر وجودي، لا شريك سلام، ولا بديل عن استعادة الدولة.
والحقيقة، مهما كانت قاسية، لا بد أن تُقال؛ لا سلام مع هذه الجماعة إلا بالقوة، ولا دولة بدون مواجهة مشروعها العدمي.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص