مصطفى غليس
تكنولوجيا بيد إرهابي!
الساعة 05:22 مساءاً
مصطفى غليس

جاء ضبط السفينة المحمّلة بقرابة 750 طنًا من الأسلحة المتطورة  في الساحل الغربي للبحر الأحمر– والتي شملت طائرات مسيّرة، ومنظومات صاروخية، وأنظمة دفاع جوي، ورادارات وأجهزة تصنت متقدمة – ليكشف جانبًا خفيًا من طبيعة التهديد الحوثي، فالأمر لا يقتصر على تهريب السلاح فحسب، بل يمتد إلى حرب متكاملة تُخاض بالتكنولوجيا، وتستهدف بها مليشيا الحوثي اليمنيين في الداخل، ودول الجوار في الخارج، وتهدد السلم الدولي من خلال استهداف السفن في البحار. 

ما تحمله تلك السفينة التي ضبطتها بحرية المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح ليس سوى نموذج لما يصل بانتظام إلى يد مليشيا لا تعترف بالقانون، وتحوّل أدوات التطور إلى وسائل إرهاب، ومن المؤكد أن تلك السفينة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، ما دام المجتمع الدولي عاجزًا عن وقف تدفق التقنيات المتقدمة إلى يد مليشيا الحوثي، إذ تستغل هذه الجماعة كل وسيلة تُهرّب إليها، لتقويض الأمن في اليمن والمنطقة. فمن خلال التكنولوجيا المسروقة أو المهرّبة، حصلت المليشيا على الطائرات المسيّرة، والصواريخ الموجهة، وشبكات الاتصالات المغلقة، وحتى أنظمة التجسس الرقمي، لتستخدمها في استهداف المدنيين، والسطو على الخصوصية، وتوجيه الضربات خارج الحدود.

من المسلم به أن الحوثيين لا يملكون بنية تحتية تؤهلهم لتطوير هذه التقنيات، وبالتالي فإن ما بيدهم من تكنلوجيا متطورة يدل بوضوح على دور أطراف خارجية، في طليعتها إيران، في إمداد المليشيا بكل ما يلزم لتحويلها إلى أداة تخريب تخدم مصالح إقليمية عابثة، دون أدنى اعتبار للكوارث التي تُلحقها باليمنيين وبالاستقرار الدولي.

هذه التقنيات، بدلًا من أن تكون وسيلة لتخفيف معاناة الشعب اليمني، كما تفعل بقية دول العالم، حولتها مليشيا الحوثي إلى أدوات قمع وتجسّس داخلي، ووسائل لاستهداف الممرات البحرية الدولية، فلم تسلم منها حرية الصحافة، ولا سلاسل الإمداد العالمية، وفي باب المندب والبحر الأحمر، يُسجَّل كل يوم استهداف جديد، يعكس عقلية تدميرية تسعى إلى تحويل التكنولوجيا إلى سلاح فوضى عابر للحدود.

والأخطر من ذلك أن التجربة الحوثية في عسكرة التكنولوجيا، وإساءة استخدامها، قد تغري جماعات إرهابية أخرى بتقليدها، ما يهدد بانهيار منظومة الحظر التقني التي وضعتها الأمم المتحدة، ويجعل من كل تقنية مدنية فرصة محتملة لفعل إجرامي جديد.

تكمن خطورة حيازة الحوثيين للتقنيات الحساسة في كونهم جماعة لا تعترف بالقانون الدولي، ولا تلتزم بأية معايير أخلاقية، فكل ما يقع في يدهم يتحول إلى أداة تهديد، سواء للداخل اليمني أو للخارج الإقليمي والعالمي، وهكذا، لم تعد هذه التكنولوجيا رمزًا للتطور، بل سلاحًا صامتًا يهدد أمن الملاحة والاقتصاد والاتصالات.

ولمواجهة هذا التهديد، لا بد من استراتيجية شاملة تبدأ بتجفيف منابع التهريب، وتفكيك شبكات الدعم، وتشديد الرقابة على المنافذ، وتنتهي بتحرير قطاع الاتصالات اليمني من قبضة المليشيا، وفضح انتهاكاتها أمام الرأي العام العالمي، فكل يوم تتأخر فيه هذه المواجهة، تتسع دائرة الخطر، ويتعاظم تهديد مليشيا الحوثي الارهابية طالما أنها تملك أدوات الحرب ولا تخضع لقيود السلم.

ومن هنا، فإن دعم المجتمع الدولي للحكومة الشرعية لا يجب أن يقتصر على المواقف السياسية، بل يتطلب توفير قدرات سيبرانية فعالة، وتدريب الكوادر الوطنية، وتعطيل المعدات التي تعمل عليها المليشيا الحوثية، وحجب الخدمات الفضائية عنها، لتجريدها من أدوات التهديد.

وللتذكير، فإن قرار مجلس الأمن رقم 2140 الصادر عام 2014، قد نصّ بوضوح على حظر تزويد الحوثيين بالتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، وتجميد أصولهم، إلا أن استمرار خرق القرار، وتهريب الأنظمة الحساسة، يعكس تقاعسًا دوليًا يُفاقم الأزمة، ويُرسخ سلطات الحوثي على حساب استقرار اليمن والمنطقة.

إن ما كشفته شحنة الأسلحة الأخيرة ليس مجرد عملية تهريب عسكرية، بل جرس إنذار دولي على خطر جماعة باتت تملك أدوات حرب حديثة دون أن تمتلك أدنى التزامات قانونية، والسكوت على هذا الواقع يعني القبول بسيناريو فوضى ممتدة، تُستخدم فيه التكنولوجيا لا لبناء الأوطان، بل لهدمها، لهذا، فإن التصدي الحاسم لمليشيا الحوثي بات اليوم مسؤولية دولية مشتركة، تبدأ من وقف إمدادها بالتقنيات، ولا تنتهي إلا بكسر مشروعها الإرهابي بالكامل.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تواصل معنا