الرئيسية - محافظات وأقاليم - السعودية تُطلق دعما اقتصاديا جديدا بقيمة 368 مليون دولار لليمن
السعودية تُطلق دعما اقتصاديا جديدا بقيمة 368 مليون دولار لليمن
الساعة 08:58 مساءاً (الميثاق نيوز، تقرير خاص)

في خطوة تُعدّ من أبرز التدخلات الاقتصادية الداعمة لاستقرار الأوضاع في المحافظات المحررة، كشف مصدر مطلع لوكالة "رويترز" عن نية المملكة العربية السعودية تقديم منحة اقتصادية جديدة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بقيمة 368 مليون دولار، تُوجَّه بشكل مباشر لدعم الموازنة العامة وتعزيز قدرات البنك المركزي اليمني، في مؤشر على عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وحرص الرياض على دعم مؤسسات الدولة في المناطق المحررة.

وتأتي هذه المنحة الجديدة في وقت حرج، حيث تواجه الحكومة الشرعية ضغوطا متزايدة في الوفاء بالتزاماتها المالية، لا سيما فيما يتعلق بصرف رواتب الموظفين الحكوميين، التي ظلت لسنوات مهددة بالتوقف بسبب العجز الكبير في الإيرادات، وشح الموارد المالية.
 ويشير مسؤولون وخبراء اقتصاديون إلى أن الدعم السعودي الجديد سيكون له أثر مباشر في تمكين الحكومة من الاستمرار في صرف المرتبات بشكل منتظم، ما يُعدّ عاملا محوريا في استعادة الثقة بين المواطن والدولة.

وفي تصريح خاص لـ"الشرق الأوسط"، أكد معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة والسياحة، أن "هذا الدعم السخيّ لا يكتفي بسد الفجوة التمويلية في الموازنة، بل يُسهم في تعزيز حضور الدولة وتقوية مؤسساتها، خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني". 
وأضاف: "القدرة على دفع الرواتب بانتظام هي أحد أهم مؤشرات فاعلية الدولة، وهذا الدعم يمنح الحكومة هامشا ماليا حيويا للوفاء بهذه المسؤولية الاجتماعية والوطنية في آنٍ واحد".

ويُنظر إلى الدعم السعودي الجديد باعتباره أحد المصادر غير التضخمية للتمويل، وهو ما يشكل اختلافا جوهريا عن الآليات التقليدية لمواجهة العجز، مثل طباعة النقود أو الاقتراض الداخلي، التي غالبا ما تؤدي إلى تسريع وتيرة التضخم وتدهور سعر الصرف.

وفي هذا السياق، يرى اقتصاديون وخبراء ماليون ان الدعم الخارجي المباشر، خاصة عندما يكون على شكل منح أو ودائع غير قابلة للسحب، يعد أداة فعالة لضبط السوق المالي دون إثقال كاهل الاقتصاد بعبء نقدي إضافي.

وستُقدَم المنحة عبر "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"، الذي بات الذراع التنفيذي الرئيسي للمساعدات السعودية في اليمن، ويشمل الدعم تمويلا مباشرة للموازنة العامة، إلى جانب دعم تقني ومالي للبنك المركزي اليمني، بهدف تعزيز قدراته المؤسسية وتمكينه من تنفيذ سياسات نقدية أكثر فاعلية.

وأكد الإرياني أن "هذا الدعم يأتي في توقيت بالغ الأهمية، حيث يعمل البنك المركزي على سلسلة من الإصلاحات الهادفة إلى استعادة مصداقيته، وضبط السيولة، وتحقيق الاستقرار النقدي". وأضاف: "التمويل السعودي غير التضخمي يُسهم مباشرة في دعم هذه الجهود، ويوفر للبنك المركزي مزيدا من المرونة في إدارة السياسة النقدية، والتدخل في السوق المالي عند الحاجة، دون الاضطرار إلى اللجوء إلى أدوات قد تفاقم الضغوط التضخمية".

ومنذ سنوات، يعتمد البنك المركزي اليمني، المقر الرئيسي له في عدن، على الدعم الخارجي، لا سيما السعودي، لتعزيز احتياطياته من العملات الأجنبية، التي تراجعت بشدة خلال الحرب، مما أدى إلى انهيار حاد في قيمة الريال اليمني. لكن الودائع السعودية السابقة، بما في ذلك وديعة الـ300 مليون دولار التي قُدمت في ديسمبر 2024، أسهمت بشكل ملموس في تحسين وضع الاحتياطي، وتحقيق درجة من الاستقرار النسبي في سعر الصرف، وانخفاض أسعار الوقود والسلع الأساسية المستوردة.

ويرى خبراء اقتصاديون أن استمرار الدعم السعودي بهذه الطريقة يُشكّل نموذجا ناجحا للتدخل الخارجي المدروس، حيث لا يقتصر على التمويل الطارئ، بل يتكامل مع جهود الإصلاح الداخلي، ويدعم بناء القدرات المؤسسية، ويُعزز الحوكمة والشفافية في الإدارة المالية.

وكان الدعم السعودي السابق قد مكن الحكومة من تغطية جزء كبير من عجز الموازنة، وتمويل برامج أساسية في الصحة والتعليم، وتوفير المشتقات النفطية اللازمة لتوليد الكهرباء، فضلا عن دعم الأمن الغذائي من خلال استيراد القمح والأرز والسكر وزيت الطبخ والحليب.

وفي نوفمبر الماضي، وقّعت الرياض اتفاقية دعم شاملة بقيمة مليار دولار، تُعدّ من أكبر الحزم التمويلية المخصصة لإعادة بناء الاقتصاد اليمني، وتتوزع بين دعم الموازنة، وتعزيز قدرات البنك المركزي، وتنفيذ مشروعات تنموية في ثمانية قطاعات حيوية، تشمل التعليم، والصحة، والمياه، والطاقة، والنقل، والزراعة، وتنمية قدرات الحكومة.

وخلال السنوات الماضية، نفّذ البرنامج السعودي 263 مشروعا تنمويا في مختلف المحافظات، منها ما شغّل 80 محطة كهرباء عبر توفير المشتقات النفطية، وآخر قدّم خدمات صحية لمئات الآلاف من المرضى، وثالث ساهم في إعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية.

ويُنظر إلى هذه الجهود باعتبارها جزءا من استراتيجية سعودية أوسع تهدف إلى بناء دولة يمنية مستقرة، قادرة على إدارة شؤونها الاقتصادية، وتقديم الخدمات الأساسية، وخلق بيئة جاذبة للاستثمار. وفي هذا السياق، يشدد الإرياني على أن "المملكة تدرك أن استقرار اليمن ليس ترفا إنسانيا، بل ضرورة استراتيجية لأمن المنطقة بأكملها".

مع كل دفعة جديدة من الدعم، تتعزز صورة الرياض كداعم رئيسي للاستقرار في اليمن، ليس فقط من خلال المساعدات الإنسانية، بل عبر دعم مؤسسات الدولة، وتمكينها من أداء دورها في ظل تحديات هائلة. والآن، ومع تدفق 368 مليون دولار إضافية، تُفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادي، تُركز على استقرار العملة، وضبط السوق المالي، وضمان استمرارية صرف الرواتب، في طريق طويل ما زال يحتاج إلى دعم دولي أوسع، لكنه بدأ يشهد بصيص أمل حقيقي.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص