الرئيسية - محافظات وأقاليم - خطبة الحوثيين الموجهة ضد المؤتمر .. رسائل مبطنة تكشف أزمات داخلية عميقة للميليشيا (تحليل)
خطبة الحوثيين الموجهة ضد المؤتمر .. رسائل مبطنة تكشف أزمات داخلية عميقة للميليشيا (تحليل)
الارهاب الحوثي يقلق العالم
الساعة 12:15 صباحاً (الميثاق نيوز - تقرير خاص)

 

 في خطوة تكشف عن قلق متزايد وتوتر عميق، خلف كواليس سلطة الامر الواقع في العاصمة المغتصبة صنعاء، أطلقت ميليشيا الحوثي الارهابية المدعومة ايرانيا، حملة سياسية وإعلامية هي الأعنف منذ سنوات، مستهدفة بشكل مباشر حزب المؤتمر الشعبي العام، الحليف السابق والخصم الحالي؛ عبر خطبة جمعة موحدة وزعت على نطاق واسع، رسمت الجماعة خطوطاً جديدة للمعركة السياسية.

الميليشيا ومن خلال خطبتها التي عممت على  معظم الجوامع في مناطق سيطرتها ، اعلنت من خلالها  أن الولاء لها هو المعيار الوحيد للوطنية، وأن أي معارضة هي خيانة ترقى إلى مستوى التواطؤ مع "العدو الصهيوني".


هذا الهجوم الممنهج، الذي وصفه مراقبون بأنه "تطهير سياسي ناعم"، لا يمثل مجرد خلاف عابر، بل هو استراتيجية استباقية محسوبة تهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثل في  تفكيك إرث وكيان المؤتمر الشعبي العام بشكل نهائي، وتأميم ورقة "دعم غزة" لاستخدامها كسلاح في السياسة الداخلية، والتمهيد لقمع أي تحرك شعبي محتمل قد ينفجر بسبب الانهيار الاقتصادي المتسارع.


تكتيك "فرّق تَسُد" الجديد
جوهر الخطاب الحوثي يكمن في تقسيمه المتعمد لكيان المؤتمر الشعبي العام؛ حيث لم يعد الهجوم موجهاً ضد الحزب ككل، بل تم فصله إلى فئتين من خلال الوصف"أبناء المؤتمر الشرفاء"للأعضاء والقواعد المقيمون في مناطق سيطرتها، والذين تمنحهم صك غفران مشروط بالولاء الكامل لها وتبني خطابها، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الإقليمي ومثال على ذلك حسين حازب وعلي الزنم واخرون الذين اصبحوا موالين للميليشيا اكثر من المنتسبين اليها.

اما التقسيم الاخر الذي اتى تحت مسمى "العفافيش" وهو مصطلح ازدرائي يُطلق على قيادات المؤتمر التاريخية والفاعلة في الخارج والذين كان لهم صلة كبيرة بالزعيم على عبدالله صالح ، ويتم تصويرهم كأدوات عميلة لإسرائيل وأمريكا، هدفها الوحيد هو إيقاف "الدعم اليمني لغزة" تحت ذرائع زائفة مثل حماية الملاحة الدولية حسب زعمها.


يقول محلل سياسي يمني مقيم في عمّان: "الحوثيون يدركون أنهم لا يستطيعون ابتلاع المؤتمر دفعة واحدة. الاستراتيجية الآن هي عزل الرأس عن الجسد، حيث يريدون تجريد قيادات الخارج من أي شرعية أو قاعدة شعبية، وفي نفس الوقت احتواء قواعد الداخل عبر منحهم هوية مؤتمرية شكلية، لكن بروح حوثية".

 استغلال الاقتصاد المنهار كأداة تشويه للخصوم
سعت قيادة الميليشيا من خلال خطبتها إخفاء مسؤوليتهم عن الأزمة الراهنة، حيث تجاه معدو الخطبة  أن الحوثيين هم من يحكمون صنعاء منذ 2014، ويتحملون جزءاً كبيراً من انهيار الاقتصاد (مثل فرض الضرائب التعسفية ونهب الموارد)، كما أن التركيز على فترة حكم صالح (1990–2011) يهدف إلى طمس الإخفاقات الحالية، خاصةً أن سعر الصرف ارتفع بصورة مرعبة  في مناطقهم امام الدولار (وليس 240 كما ورد).
ما ان الميليشيا من خلال محتوى الخطبة سعت الى تبرير الابتزاز المالي عبر اتهام من وصفتهم "العفافيش" بـ"استلام مبالغ مالية من الخارج"، ويرى محللون ان الغرض من هذا الاتهام هو تهيئة الميليشيا الرأي العام لتقبل ـمصادرة أموال الخصوم أو فرض "اتاوات" على تجار متحالفين مع المؤتمر، تحت ذريعة دعم المجهو الحربي والتصنيع العسكري والعديد من المسميات الهادفة للابتزاز.

  الخشية من تراجع شعبيتهم بسبب الأوضاع المعيشية
يتبين ذلك من خلال التركيز المفرط على "الجانب المعيشي" واتهام الخصوم بـ"اللعب بمشاعر الناس"، يدل على أن الحوثيين يدركون أن سوء الخدمات هو أكبر تهديد لسيطرتهم. ففي مناطقهم، يعاني 80% من السكان من انعدام الأمن الغذائي (حسب تقارير الأمم المتحدة)، مما قد يُشعل احتجاجات تهدد بقاءهم.
اضف الى ذلك ذكر "الجرعات الاقتصادية" في عهد صالح كـ"تبرير" لفشلهم الحالي، يُظهر قلقهم من مقارنة الواقع تحت حكمهم بعهد صالح، حيث كانت الخدمات العامة (مثل الكهرباء والصحة) أفضل بكثير.
مخاوف من "تحالف الخصوم"
يكشف هذا الهجوم الاستباقي عن خوف حقيقي لدى الحوثيين من سيناريو يعتبرونه كابوساً يتمثل في إعادة توحيد أجنحة المؤتمر الشعبي العام.

وعلى الرغم من الانقسامات التي عصفت بالحزب بعد مقتل زعيمه علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017، إلا أن المؤتمر لا يزال يمتلك شبكة علاقات قبلية وإدارية عميقة وخبرة حكم لا يستهان بها.


وتشير مصادر مطلعة إلى أن التحركات الأخيرة لنجل الرئيس الراحل، أحمد علي عبد الله صالح، وجهود بعض القيادات لجسر الهوة بين الداخل والخارج، أثارت قلقاً بالغاً في صنعاء.

لذا يرى الحوثيون أن أي كيان سياسي منظم وقادر على حشد الشارع يمثل تهديداً وجودياً لسلطتهم الأحادية.


ورقة غزة: من تضامن إقليمي إلى أداة قمع داخلي
تُظهر الخطبة بوضوح كيف حولت ميليشيا الحوثي قضية فلسطين من ملف للمزايدة السياسية الإقليمية إلى أداة لتصفية الحسابات الداخلية.  فمن خلال ربط أي انتقاد لسياساتهم، خاصة الاقتصادية، بـ "خدمة نتنياهو"، فإنهم يسعون إلى تحقيق هدفين اولهما تخوين المعارضة بحيث يصبح أي حديث عن تردي الخدمات أو انهيار العملة أو الجوع بمثابة "مؤامرة لزعزعة الجبهة الداخلية" وخدمة لأجندة العدو.
اما ثاني ما تهدف اليه الميليشيا هو تحصين ذاتها من خلال منح "شرعية المقاومة"لاعضائها كحصانة من النقد الشعبي، وتسمح لها بتبرير فشلها في إدارة الدولة عبر إلقاء اللوم على "المتآمرين في الداخل" الذين يعملون لصالح "العدوان الخارجي" حسب زعمها.


التمهيد لمواجهة "انتفاضة الجياع"
الجزء الأكثر دلالة في الخطبة هو اعترافها الضمني بأن "الجانب المعيشي" هو نقطة ضعفها القاتلة. الهجوم المطول على إرث حكم صالح الاقتصادي، ومقارنة أسعار الصرف والسلع، ليس مجرد محاولة لتشويه الماضي، بل هو دفاع استباقي ضد غضب شعبي متوقع.
يقول تاجر في صنعاء: "الناس منهكون. لم يعد خطاب المقاومة يملأ البطون الخاوية. هناك حنين متزايد لأي فترة استقرار سابقة، وهذا ما يرعب الحوثيين".
كما أن التهديد الصريح باستخدام "الغلظة" ضد من وسمتهم "المنافقين"، واستدعاء آيات قرآنية تدعو للجهاد ضدهم، يُقرأ على أنه ضوء أخضر وشرعنة مسبقة لأي إجراءات قمعية قادمة، سواء كانت اعتقالات أو مصادرة ممتلكات، ضد أي شخص يجرؤ على قيادة أو تنظيم احتجاجات على خلفية اقتصادية.
يتضح اذا إن خطبة  ميليشيا الحوثي الأخيرة ليست مجرد بيان سياسي، بل هي وثيقة استراتيجية تكشف عن مرحلة جديدة من إحكام القبضة على السلطة على غرار حكم الامامة القائم على العنف ومصادرة الحقوق والحريات والتنكيل بالاخر.

كما ان الخطبة  تعكس إدراك الجماعة بأن التهديد الأكبر لها لم يعد يأتي من الجبهات العسكرية، بل من داخل بيوت اليمنيين الذين أنهكهم الفقر والجوع.

وبدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، اختارت الجماعة طريق المواجهة الاستباقية، عبر تفكيك خصومها السياسيين وتجريم المطالب الاقتصادية، في سباق مع الزمن قبل أن يتحول السخط الصامت إلى انفجار قد لا يمكن احتواؤه.

ختاما الحوثيون يدركون أن سلطتهم مهددة، وهم يستخدمون خطاب غزة كدرع لامتصاص الغضب الداخلي، بينما يُعدّون لحملة قمع جديدة ضد أي صوت معارض".

هذا التحليل يؤكد أن الخطبة سلاح سياسي لـ"إسكات الداخل" قبل أن تكون رسالة للخارج، وهو نمط متكرر في خطابات الميليشيات عندما تشعر بارتخاء قبضتها على السلطة.

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تواصل معنا