الرئيسية - محافظات وأقاليم - شهادة استثنائية: فهد الشرفي يكشف الطبقات العميقة للمشروع الحوثي من الداخل
شهادة استثنائية: فهد الشرفي يكشف الطبقات العميقة للمشروع الحوثي من الداخل
الساعة 03:58 صباحاً (الميثاق نيوز، تقرير خاص)

 في غرفة مغلقة، وبطريقة اريحية، جلس فهد بن طالب الشرفي، المستشار السياسي السابق لوزارة الإعلام اليمنية، يروي قصته، التي تشبه رحلة عبر الزمن؛ إلى القلب النابض للمشروع الحوثي، قبل أن يتحول إلى ظاهرة تهدد أمن اليمن والمنطقة بأكملها.

الميثاق نيوز، تتبع شهادة الشرفي المكون من جزءين، التي أدلى بها في بودكاست "يمان"، وكانت بمثابة رحلة استثنائية، إلى البدايات المبهمة لحركة بدأت كدائرة فكرية محدودة في صعدة، لتصبح اليوم أحد أكثر التنظيمات تهديداً لاستقرار اليمن.

الشرفي، أحد أبرز شباب صعدة المقربين من حسين الحوثي في بدايات "حركة الشباب المؤمن"، يتحدث بثقة الرجل الذي عاش التجربة من الداخل، ويرسم خريطة طريق مفصلة لتحول الجماعة من حركة احتجاج محلية إلى مشروع مسلح يعيد تشكيل جغرافيا اليمن.

"حتى لو سقطت إيران اليوم، سيظل مشروع الحوثي قائمًا"، يقول الشرفي بصوت هادئ لكنه حازم، "له أرث سنوي واتباع مسلحون بشبكة مصالح معقدة".

من الاحتجاج إلى التمرد
في منتصف التسعينيات، بدأت القصة بتأسيس "منتديات الشباب المؤمن" الصيفية في المدارس الحكومية بصعدة، حيث استغل حسين الحوثي المظالم المحلية، من قبيل غياب الخدمات، تعسف الأجهزة الأمنية، تهميش القضاء، بغية جذب الشباب المهمش.

لكن الشرفي يكشف أن هذه المرحلة كانت مجرد غلاف لمشروع أعمق، حيث قام الحوثي بـ"تصفية المكتبة الزيدية" برمتها، رافضًا الاستناد إلى أي مرجعية فقهية زيدية تقليدية، واعتبر نفسه "القرآن الناطق" الوحيد القادر على تفسير النصوص.

لم تكن إيران الخيط الواصل لهذا المشروع، كما يعتقد الكثيرون، بل كانت مجرد "استثمار في مشروع قائم"، وفقًا لشهادة الشرفي.

فطهران قدمت تدريبًا على آليات التنظيم والإعلام، وتمويلًا أوليًا عبر جمعيات خيرية وهمية، وغطاءً أيديولوجيًا عبر تجاوز الخلافات المذهبية.

"إيران بحثت عن ضالتها في اليمن، والحوثي كان الأنسب لتنفيذ أجندتها السياسية تحت شعار التشيع"، يوضح الشرفي.

الأخطاء القاتلة
مع انتشار صوت حسين الحوثي وتحوله إلى متمرد مسلح عام 2004، ارتكبت الدولة اليمنية سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية التي حولت المواجهة إلى كارثة.

إرسال قبائل حاشد وبكيل لقتال الحوثيين في صعدة حوّل الصراع من "مواجهة دولة مع متمردين" إلى "حرب قبلية" أشعلت النعرات المناطقية. وتحويل منازل المدنيين، مثل بيت حسين الحوثي، إلى ثكنات عسكرية خلق انطباعًا بـ"قوة احتلال".

الأمر الأكثر إثارة هو أن الدولة فشلت في استثمار دعم أهالي صعدة لها بعد اغتيال حسين الحوثي عام 2004، مما سمح لعائلة لبدر الدين الحوثي بالهروب من صنعاء وإعادة تشكيل التنظيم من مناطق مطرة النائية.

وفي الوقت نفسه، روّجت بعض قيادات الدولة لتمرد الحوثي كـ"تمرد زيدي" رغم تنوع صعدة دينيًا، حيث لا توجد قرية زيدية خالصة، بينما استغلت أحزاب المعارضة أزمة صعدة لإرهاق النظام دون إدراك خطورة المشروع الحوثي على اليمن ككل.

"حوّل الحوثيون المظلومين إلى جلادين"، يقول الشرفي بمرارة، "لقد استثمروا دماء أبناء صعدة ثم ظلموهم مرة أخرى عندما زجّوا بهم في حروب عبثية".

هيكل السلطة: عائلة تحكم بقبضة من حديد


بعد اغتيال حسين الحوثي، عقدت "اتفاقية باب مطرة" عام 2005 التي قضت بحصر القيادة في الهاشميين، حيث تولى عبد الملك القيادة رغم صغر سنه.

هنا بدأ التحول الجذري من حركة احتجاج إلى مشروع سلالي. أعاد عبد الملك بناء التنظيم عبر تهميش أخوته المؤسسين، مثل محمد بدر الدين الحوثي مؤسس "الشباب المؤمن"، وتوظيف "الدائرة المغلقة" من غير الهاشميين لضمان الولاء المطلق.

الشرفي يكشف كشفًا مثيرًا

قال الشرفي أن كبار المسؤولين الهاشميين في حكم صالح (وزراء، محافظين، قادة) كانوا يرسلون أبناءهم للقتال مع الحوثي ضد الدولة أثناء حروب صعدة، رغم وجودهم في السلطة! وبعد سقوط صنعاء عام 2014، انضم هؤلاء إلى المشروع الحوثي كـ"أفراد هاشميين"، مضحين بمكانتهم السابقة في الدولة لصالح "المشروع السلالي".

اقتصاد الحرب: الآلة الخفية
وراء الواجهة العسكرية، بنا الحوثيون "اقتصادًا موازيًا" يغذي آلة الحرب.

"الزكاة الإجبارية" عبر جمعيات خيرية وهمية، وشبكات تهريب منظمة للنفط والغاز من المناطق المحتلة، وفرض "رسوم عبور" على خطوط الإمداد التجارية بين المدن اليمنية. "الحوثيون حوّلوا صعدة إلى دويلة اقتصادية.. يتحكمون في كل شاحنة تمر عبر الجبال"، يؤكد الشرفي.

ولم تكن هذه الآلة الاقتصادية مجرد وسيلة لتمويل الحرب، بل أداة للاستعباد الاجتماعي. التجنيد القسري للأطفال، التطهير العائلي عبر ادعاءات "الخيانة للمشروع الإلهي"، وتفتيت النسيج القبلي عبر تزويج عناصر الميليشيا من بنات مشايخ القبائل. المفارقة الصادمة أن صعدة ليست زيدية خالصة كما تزعم الرواية الحوثية، بل 42% من قرى صعدة تضم خليطًا سلفيًا/شافعيًا/صوفيًا، و30% من أسر الهاشميين في صعدة رفضت الولاء لبدر الدين الحوثي.

لماذا يستمر المشروع؟
في ختام شهادته، يقدم الشرفي توصيفًا مريرًا: "المشروع الحوثي لم يعد مجرد ميليشيا.. هو كيان هجين يجذر نفسه عبر تحالفات قبلية ودينية وشبكات مصالح، وحتى لو زال الدعم الإيراني، سيظل قادرًا على البقاء".

ويرسم ملامح الحل عبر بناء وعاء وطني عادل يُستوعب فيه "الراجعين" من أتباع الحوثي بعد اكتشافهم خداع المشروع، وتجنب الخطأ القاتل في التفاوض مع الحوثيين قبل نزع سلاحهم، وإعادة تعريف المشروع الحوثي كـ"تمرد مسلح" وليس تمثيلاً للمذهب الزيدي.

"اليمن يدفع ثمن ألف عام من التراكمات.. والحل يبدأ بالاعتراف بأن الهاشمية السياسية ليست السبب الوحيد للأزمة، بل أحد عوارض مرض أعقد"، يختتم الشرفي.

في غرفة المقابلة الصغيرة، بينما تختفي شمس المساء خلف جبال صعدة البعيدة، يبقى سؤال الشرفي يتردد صداه: "الحوثي يبيع الموت على أنه خلاص.. علينا أن نعيد إثبات أن الحياة ممكنة".

سؤال يحمل في طياته أملًا صعبًا، لكنه الأمل الوحيد الذي تبقى لليمن.

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تواصل معنا