رماح الجبري
السلام والحرب في اليمن
الساعة 05:19 مساءاً
رماح الجبري

   وضعت الإدارة الامريكية الجديدة الملف اليمني على قائمة أولوياتها وتشدد على وقف الحرب وفقا لما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أعلن إنهاء دور أمريكا في العمليات العسكرية في اليمن وإيقاف صفقات السلاح المرتبة بذات الشأن وأيضا تعيين مبعوث أمريكي خاص بالشأن اليمني. 

أيضا شطبت إدارة بايدن تصنيف الحوثية كمنظمة إرهابية بعد أقل من شهر من تصنيفها من قبل الإدارة الامريكية السابقة واتخذت هذه الخطوة دون مقابل أو أي التزام من قبل الحوثيين تجاه تحقيق السلام او بما يخص حماية حلفاء الولايات المتحدة بما فيها المملكة العربية السعودية. 

رغم أن الدور الأمريكي في "الحرب" اقتصر على الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية الا أن واشنطن بإدارتها الجديدة ستصطدم بمعطيات الواقع المعقدة في اليمن وربما ستصل الى قناعة أنها أخطأت التقدير في تعاملها مع الحوثيين كونهم فهموا الرسائل الأمريكية بطريقة سلبية والتي ظهرت من خلال عمليات التصعيد والتحشيد العسكري الكبير تجاه مدينة مأرب التي تمثل مركز ثقل شعبي وعسكري واقتصادي للحكومة الشرعية. 

الرسائل الامريكية بشأن اليمن أساء فهمها الحوثيون فزادت حدتهم في التصعيد أيضاً تجاه المدن السعودية من خلال استهدافها بعشرات الطائرات بدون طيار والصواريخ البالستية من بعد الموقف الأمريكي الجديد. 

تحاول الإدارة الامريكية الجديدة التعامل مع الحوثيين كطرف سياسي بينما افعالهم وتصرفاتهم تجعلهم مصرين على تقديم أنفسهم كمنظمة إرهابية وهو ما يضع الإدارة الامريكية في موقف حرج يجعلها تعيد التفكير في خيارات التعامل معهم. 

الموقف الأمريكي قد يدفع نحو إيقاف العمليات العسكرية الجوية التي ينفذها تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية وهذ الأمر ليس بجديد، سبق وأعلن التحالف هدنة ووقف إطلاق النار من طرف واحد واستمر موقف التحالف لما يقارب شهرين قاربت الاختراقات الحوثية حينها سبعة ألف اختراق بينها عمليات استهداف بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع نحو مدن المملكة.   

توقف التحالف عن العمليات الجوية المساندة للجيش اليمني لا يعني توقف المعركة بشكل نهائي فالاقتتال بين اليمنيين لن يتوقف كون الفجوة أكبر من أن يتم ردمها بين الأطراف المتصارعة لاختلافهما سلوكا وعقيدة وكذا ارتباط إقليمي ودولي وباعتقادي أن إخضاع الشرعية اليمنية لأي اتفاق سياسي لا يضمن حقوق اليمنيين في حريتهم وتعليمهم واختيار من يحكمهم سيجعل من الملايين الرافضين لمشروع الحوثي يبحثون عن بديل وراية أخرى يناضلون تحت لوائها في سبيل استعادة الدولة التي يتساوى أمامها الجميع. 

الحوثيون يقدمون أنفسهم كسلطة حاكمة ممثلة لليمنيين ومطالبهم بحسب قادتهم هي التفاوض فقط مع السعودية لأهداف وقف القصف الجوي ودفع التعويضات وإعادة الإعمار وفتح المنافذ والمطارات للتواصل مع العالم، رافضين الاعتراف بالرئيس هادي وحكومته الشرعية بينما الرئيس عبدربه منصور هادي والحكومة الشرعية التي تسيطر على أكثر من 70% من مساحة اليمن تشدد على تسليم الحوثيين للسلاح قبل أي اتفاق باعتبارهم مليشيات متمردة قادت انقلاب على الحكومة الشرعية وأن أي اتفاق سياسي يجب أن يستند للمرجعيات الثلاث التي من بينها قرار مجلس الأمن 2216 الذي يطالب الحوثيين بتسليم السلاح والخروج من صنعاء. 

يجهل كثير من الساسة والصحفيين العرب والأجانب طبيعة الصراع مع الحوثيين ويتصورون ان الحرب بين الحوثيين والسعودية غير مدركين ما تمثله الجماعة الحوثية من خطر على اليمنيين منذ انقلابها على الدولة عام 2014م وما سبقها من حروب بدأتها عام 2004م وحتى العام 2010م  والأخطر أن يجهل الجميع التكوين الفكري والعقائدي الخاص بالحوثيين الرافض لمبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وارتباطهم بفكرة الولاية والحق الإلهي في الحكم. 

عقائديا تقول قيادات الحركة الحوثية أنها تنتسب للنبي محمد (ص)  وأنهم "هاشميين" من آل البيت وحكم اليمنيين "حق إلهي" وحصري فيهم وأن الله اصطفاهم لذلك وهذا ما تؤكده أبياتهم ووثائقهم الفكرية التي لم تتحدث عن أي من المساواة أو القانون والدستور او الديمقراطية أو غيرها من حقوق المشاركة في الحكم.

لا يؤمن الحوثيون بالتعايش والقبول بالآخر ومن يختلف معهم نكّلوا به أو هجروه وفجروا منزله وخلال خمس سنوات هجر الحوثيون أكثر من 3 مليون يمني من مناطق سيطرتهم لرفضهم مشروع الانقلاب على الدولة والحكومة الشرعية  منذ انقلاب الحوثيون على الدولة 2014م وهم يكرسون العنصرية والطبقية بين أبناء المجتمع اليمني من خلال فرض امتيازات مالية وسياسية لمن يقول بانتسابه السلالي وغالبية المناصب القيادية في مناطق الحوثيون يشغلها السلاليون المخلصون لعبد الملك الحوثي ناهيك عن إصدارهم في العام ٢٠١٩ قانون يخصص نسبة 20٪ من موارد الدولة اليمنية للأسر السلالة الهاشمية التي تقود المليشيا الحوثية.   

خلال خمس سنوات من الحرب ذهبت الحكومة الشرعية ومن خلفها التحالف الى كل المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة وحضرها الحوثيون بشأن تحقيق السلام في اليمن بدءا من مشاورات جنيف 2015م ومن بعدها مفاوضات بييل السويسرية 2016ومن ثم مفاوضات الكويت 2016م التي استمرت أكثر من مائة يوم وآخرها مفاوضات استوكهولم في السويد 2018م التي أعلن فيها عن اتفاق في ثلاثة ملفات تخص مديني الحديدة وتعز وملف المختطفين والأسرى لم ينفذ من بنوده شيء سوى الافراج عن 1081 شخص من أصل ١٥ الف أسير ومختطف. 

لا تمتلك الولايات المتحدة تأثيرا على الحوثيين وموقفها حاليا يمكنهم لمزيد من القوة وهذا بلاشك لن يصنع سلاما بين اليمنيين ولا يؤكد جدية الولايات المتحدة في دعم المملكة للحفاظ على أمنها وحماية أراضيها، أيضا اليمنيين الذين تقودهم الحكومة الشرعية وهم السواد الأعظم من الشعب لن يقبلوا بإرهاب وعنصرية الحوثيين وهو الأمر ذاته سعوديا فالمملكة لن تقبل أن يتم تسليم اليمن لإيران من خلال بقاء سيطرة الحوثيين على صنعاء ولن تفرط في مصالحها وأمنها القومي. 

*كاتب يمني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص