توفيق السامعي
حينما يغار القادة على البلاد.. قصة تأسيس الدولة الرسولية
الساعة 02:01 مساءاً
توفيق السامعي

 

كانوا خمسة فرسان؛ إذا ركبوا أفرسهم سمعت لهم رجة، وإذا تحركوا تحركت اليمن كلها لتحركهم. 

هكذا يصف بعض المؤرخين الأسرة الرسولية في اليمن، التي أسست أعظم دولة يمنية على الإطلاق في كافة مناحي الحياة، منذ عهد الإسلام ولم تأت دولة بعدها مثلها حتى اليوم، حينما كانوا قادة ووزراء للأيوبيين على اليمن. 

شمس الدين علي بن رسول (الأب) 

بدر الدين الحسن بن علي بن رسول 

نور الدين عمر بن علي بن رسول 

فخر الدين بن علي بن رسول 

شرف الدين موسى بن علي بن رسول 

وُصف هؤلاء القادة بالشجاعة والإقدام وحسن السياسة والتدبير؛ فقد كان الأب علي بن رسول (كان أبوه اسمه محمد بن هارون، وهو الذي تلقب بلقب رسول لكثرة مرساله من قبل الخلفاء العباسيين) سياسياً بارعاً من الطراز الأول، وكان ابنه بدر الدين شجاعاً فتّاكاً لا يقوم له العدد من الفرسان وإن كثروا، وكان نور الدين صاحب عقل ثاقب ورأي صائب وفارساً محارباً، وهو الذي سيستقل بالملك ويؤسس الدولة الرسولية، وأما فخر الدين فقد كان جواداً كريماً ورجلاً شجاعاً أيضاً، وكان شرف الدين موسى فارساً قوياً وشاعراً فصيحاً، وهو صاحب البيتين المشهورين:

  نكونُ حماتًها ونذبُّ عنها      ويأكل فضلَها القومُ اللئامُ؟!

معاذ الله حتى ننتضيها         عقائقَ في العَجاجِ لها ابتسامُ 

فلما سمعه بعض المصريين قالوا: والله خرجت اليمن من حكم الأيوبيين! 

ينتسب الرسوليون إلى الغساسنة، ويصلون نسبهم بالملك الشامي جبلة بن الأيهم، صاحب القصة المشهورة مع عمر بن الخطاب الذي أسلم، ثم تراجع عن إسلامه لرفضه الاقتصاص منه من قبل أعرابي صفعه في الحرم أثناء الطواف بالكعبة، فما كان منه إلا أن لحق بملك الروم وتنصر هناك، كما تقول الروايات التاريخية. 

من يتابع ويقرأ عن هذه الأسرة يجد أنها حوت الكثير من الكمال في القيادة، وقد كان موقعهم القيادي في الدولة الأيوبية يؤهلهم للانقلاب على الأيوبيين وتأسيس دولة خاصة بهم. 

انتقل الرسوليون مع الأيوبيين من العراق إلى الشام ومن ثم إلى مصر، وقد كانوا قادة ووزراء مقربين من الأيوبيين في مصر، فحاول الأيوبيون في مصر أن يسيروهم إلى الشام ليكونوا هناك مع الولاة الأيوبيين، فقيل لهم: إنهم سينازعونكم الشام ويستقلون بها، فأجمعوا على إرسالهم إلى اليمن صحبة السلطان توران شاه أخي صلاح الدين الأيوبي، الذي أسس الدولة الأيوبية هناك سنة 569هـ. 

ظل الرسوليون قادة للجيش الأيوبي في اليمن وولاة على بعض أعمالها حتى ضعفت الدولة الأيوبية في اليمن، وصار الفساد ينخر عودها مع آخر ملوكهم وهو الملك المسعود الذي ترك اليمن بعد أن استخلف عليها صديقه الأمير الرسولي نور الدين عمر بن علي رسول، على أن تظل اليمن تحكم باسم الأيوبيين وخراجها تصل إليه في مصر. 

كان عمر بن علي رسول يتطلع إلى الاستقلال باليمن وتأسيس دولته الخاصة بها، ولكن إخوانه البقية كانوا أكثر تطلعاً منه، وكان يخشاهم وهو يريد الاستفراد بحكم اليمن، فما كان منه إلا أن دبر لهم مكيدة مع السلطان المسعود الذي اعتقلهم وأرسل بهم مقيدين إلى مصر عبر ميناء عدن. 

تنفس نور الدين الصعداء وهو يرى الأجواء تتهيأ له، وخالية من أي منافس، فما كان منه إلا أن دس السم للملك المسعود فما إن وصل مكة حتى مات بها، خوفاً من أن يعود لحكم اليمن مجدداً، وكان ذلك في العام 626هـ. 

ظل نور الدين الرسولي والياً لليمن على الأيوبيين لم يغير خطبة ولا سكة (عملة) مدة أربع سنوات حتى العام 630هـ، وكان في تلك الأثناء يقيل كل العمال الأيوبيين أو اليمنيين الموالين للأيوبيين في كل أنحاء اليمن ويغير ولاة من الذين يثق بهم ويوالونه، ثم بعد ذلك أعلن استقلال اليمن عن الدولة الأيوبية، ووحدها، وأعلن قيام الدولة الرسولية، والتي يطلق عليها بعض المؤرخين (دولة بني غسان). 

ظلت الدولة مهددة تارة بالأيوبيين من الخارج، وتارة بالزعامات المحلية من مشيخات وسلطنات داخلية، حتى تعاون ابنا أخيه بدر الدين مع الإمامة والمماليك البحرية في الجيش الرسولي، وهما أسد الدين والي عمه على صنعاء، وفخر الدين والي عمه على المهجم بتهامة، ودبروا جميعاً اغتيال الملك المؤسس نور الدين عمر بن علي رسول في الجند سنة 647هـ، وذلك انتقاماً لأبيه وعميه الآخرين الذين ظلوا محبوسين إلى عهد الملك المظفر. 

انتهت الدولة الرسولية الأولى باغتيال الملك نور الدين، الذي كان قد تزوج زوجة الملك المسعود، وجعل ولاية العهد في ابنه الثاني وهو المفضل، وأزاح شمس الدين يوسف من ولاية العهد، وهو الذي سيتلقب فيما بعد بـ(المظفر)، لكن المفضل كان ضعيفاً وظل حبيساً قلعة الدملؤة في الصلو لم يحرك ساكناً للحفاظ على الدولة والثأر لأبيه، بينما استطاع المظفر أن يسترد الدولة الرسولية في غضون عام كامل ويوحد الدولة مجدداً، ولم يكن معه حتى جيشاً يقاوم به سوى بعض قبائل تهامة، بل ويبني أعظم دولة يمنية في التاريخ منذ قبل الإسلام وحتى اليوم، بمساعدة أخته الملكة الدار الشمسي. 

ويعتبر الملك المظفر هو المؤسس الفعلي وباني الدولة الرسولية، ومحقق نهضة اليمن بحق، لتستمر الدولة بعده 230 عاماً. 

بلغ الملك المظفر بالدولة الرسولية من القرن الأفريقي وحتى قرب الحدود المصرية، وقد كان الخليفة العباسي المستنصر طالبه برأس الإمام الهادوي أحمد بن الحسين وسيوليه إقليم أفريقيا كلها إلى جانب اليمن، لكن ويالعجب الأحداث؛ ففي الوقت الذي أرسل المظفر برأس الإمام أحمد بن الحسين إلى الخليفة المستنصر دخل التتار بغداد وقتلوا الخليفة وسقطت الخلافة الإسلامية، وتضعضعت الدولة الإسلامية كلها وتهاوت تحت غزو المغول إلا اليمن ومصر فقد حفظتا بيضة الإسلام والبلاد الإسلامية من ذلك الغزو البربري، وظلت نواة الدولة الإسلامية في هذين الإقليمين من البلاد الإسلامية. 

ركز الملك المظفر على بناء التعليم والنهضة العلمية، وتحقيق النهضة الاقتصادية، وبناء جيش قوي؛ ثلاثة أعمدة قامت عليها الدولة، وحكمها بالعدل حتى استطاع أن يبني أعظم نهضة حقيقية يمنية مازلنا إلى اليوم عالة عليها، وتوقفت نهضة اليمن عندها، ولذلك ركز الأئمة على تدميرها وتدمير مقوماتها حتى لا تقوم بعدها لليمن قائمة. 

للقصة بقية مع النهضة العلمية الرسولية

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص