ساند نشطاء وإعلاميون جنوبيون تحركات قوات المجلس الانتقالي وهي تفرض انتشارها العسكري في محافظتي حضرموت والمهرة وتعسكرهما في مسار أحادي لا يمكن تفسيره إلا بوصفه شقًا للصف اليمني، واستهدافًا مباشرًا للمركز القانوني للجمهورية اليمنية، وتوجيه طعنة في خاصرة القضية الوطنية الجامعة.
تلك المساندة تبدو مفهومة حين توضع في سياقها المناطقي وتطلعاتهم الانفصالية، غير أن اللافت والمقلق هو انزلاق الخطاب الإعلامي المصاحب للعملية إلى استهداف مباشر لشخص رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، قبل أن يتوسع خلال الأيام الثلاثة الماضية إلى حملات إساءة وتشويه وإشاعات طالت المملكة العربية السعودية، في توقيت تقود فيه الرياض جهودًا مشكورة لتهدئة الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مربع الفوضى.
هذه الحملات لا يمكن فصلها عن السياق العام للصراع، ولا عن المستفيد الحقيقي منها، فكل محاولة لتقويض الشرعية أو المساس بالمركز القانوني للدولة، أو ضرب علاقتها بحليفها الأهم، تصب عمليًا في مصلحة أعداء اليمن بجنوبه وشماله وشرقه وغربه.
المفارقة أن المملكة التي تُستهدف اليوم بخطاب التشكيك والتخوين هي ذاتها التي وقفت إلى جانب اليمن لعقود طويلة دعمًا وتنميةً واستقرارًا، وعمدت ذلك العطاء بدماء أبنائها الزكية وهي تقود التحالف العربي دفاعًا عن اليمن والمنطقة في مواجهة أخطر مشروع طائفي عرفته المنطقة، إبتداءً من عدن التي ما كانت لتتحرر لولا تضحيات السعودية وبقية الحلفاء.
إن تحويل الخلافات السياسية إلى معارك إساءة وتخوين، وجرّها نحو مواجهة مفتوحة مع السعودية، لا يخدم قضية وطنية ولا يحقق تطلعات سياسية، بل يفتح ثغرات خطيرة في الجدار اليمني، والخلاصة التي لا تحتمل الالتباس أن كل من يطعن الشرعية من الخلف، ويستهدف المركز القانوني للجمهورية، ويستعدي المملكة، ويشعل صراعات داخلية في هذا التوقيت الحرج، إنما يؤدي ـ بقصد أو بغير قصد ـ دور المخرب مهما تعددت الشعارات وتغيّرت اللافتات.
لا تخسروا السعودية فهي ليست طرفًا عابرًا في المشهد، ولا ورقة يمكن حرقها في سوق المناكفات السياسية، بل سند تاريخي لليمن ودولته وشعبه في أحلك الظروف، وعمق إستراتيجي لليمن قبل الوحدة وبعدها وستظل مستقبلا حتى وإن حدث الانفصال.
خسارة السعودية تعني سقوط آخر مظلة سياسية وأمنية تحول دون انزلاق اليمن إلى فوضى شاملة، وتعني عمليًا ترك البلاد نهبًا للمشاريع المعادية التي لا ترى في اليمن إلا ساحة نفوذ وخراب.
السعودية، بما قدمته من تضحيات ومواقف ومسؤولية، ليست خصمًا لليمن ولا لجنوبه ولا عائقًا أمام تطلعات أبنائه، بل كانت ولا تزال ركيزة الاستقرار وفرصة النجاة الأخيرة في زمن تتكاثر فيه الخناجر وتقلّ فيه الأكتاف الصادقة.
- المقالات
- حوارات




