الرئيسية - ثقافة وفن - سياسية أوروبا تجاه العالم الإسلامي..عودة الألاعيب الاستعمارية إلى المنطقة العربية؟
سياسية أوروبا تجاه العالم الإسلامي..عودة الألاعيب الاستعمارية إلى المنطقة العربية؟
الساعة 07:40 مساءاً (قنطرة)

سياسية أوروبا تجاه العالم الإسلامي..عودة الألاعيب الاستعمارية إلى المنطقة العربية؟


كانت تبدو من حقبة ماضية. أحداثٌ منصرمة، لها على الحاضر تأثيرات مؤكَّدة. ولكنها بالتأكيد - كما ذُكِرَ - من حقبة ماضية.

في عام 2011، نشر الصحفي والمؤرِّخ البريطاني جيمس بار كتابه "خط في الرمال". يروي هذا الكتاب - مثلما كتب وعلى نحو صحيح مُراجِعُ الكتاب في صحيفة "التايمز" اللندنية - "القصة الكاملة البالية" للصراع بين فرنسا وبريطانيا خلال النصف الأوَّل من القرن العشرين على الهيمنة في الشرق الأوسط، في المنطقة الشاسعة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسِّط ​​ومرتفعات إيران الغربية، وبين منابع الفرات ودجلة وواحات شبه الجزيرة العربية.

يُعْتَبر كتاب جيمس بار واحدًا من أفضل وأهم الروايات عن التاريخ الاستعماري الأوروبي في العالم العربي الإسلامي. وهو كتابٌ يحبس أنفاس القارئ  من شدة الدهشة، ومع ذلك يكاد يكون غير معروف في ألمانيا.

يصوِّر هذا الكتاب السياسة الاستعمارية لدولتين أوروبيتين واثقتين بنفسيهما بقدر ما هما راضيتان عن نفسيهما، تنظران إلى نفسيهما كقوة عالمية رائدة. يدرك القارئ أنَّ تاريخ المناطق العربية الواقعة تحت الانتداب وكذلك الصهيونية يجب تفسيره أيضًا كوظيفة للصراع بين فرنسا وبريطانيا.

أكثر ما يثير الدهشة هو تراكم أحداث متزامنة مخالفة للعقل والمنطق. ففي حين كان مئات الآلاف من البريطانيين والفرنسيين يقاتلون في الحرب العالمية الأولى في الإقليم الفلامندي [منطقة فلاندر البلجيكية] جنبًا إلى جنب ويفقدون أرواحهم في حرب استنزاف للتصدّى للقوَّات الألمانية، كانت بريطانيا وفرنسا تتصارعان في سوريا وفلسطين على السلطة ويحاول كلّ منهما إيذاء الآخر باستخدام أكثر الطرق غدرًا وتوسيع منطقة نفوذه على حساب الآخر.

الـ "خط في الرمال"

لقد كانت طريقتهم المفضّلة هي إقامة تحالفات مؤقتة ومحدودة جغرافيًا مع الأطراف الفاعلة المحلية. كما أنَّ مغامرات الجاسوس البريطاني لورانس العرب  - التي لم تكن موجَّهةً ضدَّ ألمانيا والدولة العثمانية وحسب بل حتى ضدَّ فرنسا أيضًا - ما هي إلا المغامرات الأكثر شهرة من بين حلقات أخرى كثيرة.

يشير الـ "خط في الرمال" إلى الاتِّفاقية السرية بين البريطاني السير مارك سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، اللذين كان كلّ منهما يمثِّل دولته الإمبريالية في عام 1916.


وبموجب اتِّفاقيتهما فقد قاما بتقسيم الشرق الأوسط بينهما إلى منطقة تقع شمال الخط أصبحت من نصيب فرنسا، ومنطقة تقع جنوب الخط ذهبت إلى بريطانيا. غير أنَّ هذا لم يحسم الأمور بشكل نهائي.

وكذلك كانت بريطانيا وفرنسا تحاولان كلّ منهما بسرية وبإصرار تحسين وضعها على حساب الأخرى، بينما كانتا تشكِّلان في أوروبا جبهةً موحَّدةً ضدَّ ألمانيا.

والثوَّار الدروز - الذين ثاروا في مطلع العشرينيات على حكَّامهم الفرنسيين الجدد في دمشق - كان لديهم معقل ينسحبون إليه في المنطقة الخاضعة للانتداب البريطاني في شرق الأردن، حيث كانوا يتزوَّدون بالسلاح.

وفي المقابل، كان بإمكان الثوَّار الفلسطينيين، الذين ثاروا على بريطانيا، الانسحاب مؤقتًا إلى لبنان الخاضع للسيطرة الفرنسية وتسليح أنفسهم هناك.

المتنافسون الأوروبيون

في الحرب العالمية الثانية، دفع البريطانيون والفرنسيون - بدعم أمريكي - ثمنًا باهظًا من الخسائر الفادحة لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني وإجبار ألمانيا النازية على الاستسلام من جهة الغرب.

ولكن في تلك الأثناء، كانت قوَّات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال ديغول تتولى تدريب أعضاء الجماعات الصهيونية - الأكثر تطرُّفًا - على أساليب القتال الإرهابية لاستخدامها ضدَّ البريطانيين.

يثبت المؤلف جيمس بار في كتابه أنَّ المُهاجِمين اليهود، الذين كانوا ينفِّذون اعتداءات وهجمات قاتلة ضدَّ المسؤولين البريطانيين في الشرق، قد تم تدريبهم من قبل جهاز المخابرات الفرنسية.

وكذلك يمكن سرد القصة نفسها عن التنافسات الإيطالية-البريطانية-الفرنسية في القرن الإفريقي وعلى امتداد سواحل البحر الأحمر.

من المعروف أنَّ تداعيات التاريخ الاستعماري الأوروبي لا يزال لها تأثير حتى يومنا هذا. حيث تُقَسِّم الشرقَ نزاعاتٌ عميقة ومريرة، إنْ لم نقل تمزِّقه. والصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس الصراع الوحيد في المنطقة، ولكنه ربما يكون الصراع الأكثر مرارةً والأكثر استمراريةً.

وعلى الرغم من كلّ التداعيات والعواقب، ربما يعتقد المرء أنَّ الأساليب المطبَّقة في عهد الاستعمار الأوروبي والأنماط الناتجة عنه كانت شيئًا من الماضي. وهذا خطأ. إذ إنَّ هذه الأساليب والأنماط تعود الآن من جديد إلى الحياة، بشكل تشنُّجات جديدة ناشِزَة. لكننا لا نجرؤ على القول إنَّها الأخيرة.

في ليبيا، تقوم القوة الاستعمارية السابقة إيطاليا بدعم حكومة رئيس الوزراء فايز السراج، الذي يسيطر على القسم الأكبر من العاصمة طرابلس وبعض المناطق المحيطة بها. بينما تقف فرنسا في المقابل إلى جانب قوات  خليفة حفتر، الذي كان يتمتَّع في السابق بثقة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ويقود حملة من جهة الشرق لكي يُخضِع بالقوة والعنف هذا البلد الغني بالنفط، بالإضافة إلى قصفه العاصمة طرابلس بغارات جوية.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص