عبدالرحمن الراشد
«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين
الساعة 08:21 مساءاً
عبدالرحمن الراشد

لا توجد سوى دولةٍ واحدةٍ لها تأثيرٌ دائمٌ على اليمن، سواء أكانَ موحَّداً أم مجزأً، هي السّعودية، وبدرجةٍ ثانيةٍ سلطنةُ عُمان التي لهَا حدودٌ غرباً مع الجنوب اليمني.

والجغرافيا تبقَى - كمَا قالَ نابليون - «الحقيقةَ الوحيدةَ في السياسة». هناك دولٌ عديدةٌ تستطيع الحضورَ في الأزمات، بما فيها الدّولُ الكبرى، إنَّما ديمومةُ التأثيرِ تبقَى العاملَ الأهمَّ للقوى اليمنية، وهنا تُوكّد الحتمية الجغرافية.

القوى في الجنوب، وكذلك في الشمال مِن دونِ الجارةِ الشماليةِ الكبرى، لا تستطيعُ إنجاحَ مشاريعِها السياسيةِ، ولو نجحتْ لحين، تاريخيّاً ومنذ السّتيناتِ والتدخلِ المصريِّ، وإلى اليوم.

حتَّى الحوثي، بما أوتي من قوةٍ ودعم إيراني، يعيش في قوقعةٍ مغلقة. الحوثي يختلف... فهوَ وكيلٌ لإيرانَ وصاحبُ مشروعٍ آيديولوجي، وليس مكوَّناً يمنيّاً وطنيّاً. أخيراً، أصبحَ يدرك أنَّ علاقتَه بإيرانَ عبءٌ قد يكلفه وجودَه، وأنَّ فرصتَه في البقاءِ بصورةٍ مَا، مرهونةٌ بالتوافق الداخليّ والعلاقة مع الرياض. الوقتُ استراتيجيّاً هو في صفّ الجغرافيا الحدودية الطويلة، وإنْ مرَّت سنواتٌ من عدم الاستقرار.

مع الجغرافيا، هناك أيضاً الديموغرافيا. فأكثرُ من مليوني يمني يعيشونَ في المملكة يمثلونَ شريانَ حياةٍ لبلدهم، وستستمرُّ العلاقةُ الخاصة لعقود طويلة. هذه حقائقُ ثابتةٌ ومستمرَّةٌ في المعادلة الداخلية والخارجية لليمن.

المجلسُ الانتقالي لديه مشروعٌ موازٍ، وهو إعادة إحياءِ دولةِ الجنوب المستقلة. يستطيع إنجاحُه بشرطين: القَبول اليمني له الذي يتطلَّبُ طرحاً سياسيّاً مُوائماً وجامعاً يعالج مخاوفَ بقيةِ اليمنيين، بما فيهم الجنوبيون. والثاني، التأييد السعودي.

مِن دونِ ذلك، فـ«الانتقالي» لن يستطيعَ المضيَّ بعيداً وطويلاً، بل قد يدمّر مفهومَ الرابطة الجنوبية نفسِها، التي تلتقي في العلاقة مع الرياض.

ونتيجةَ تكرّر الأزماتِ، سيكتشف بقيةُ الرفاقِ في المجلس الانتقالي أنَّ قيادتَه ربما هي العقبةُ، وليست فكرة الانفصالِ نفسها. وهذا ما كانَ مع الرئيس عبد الله السَّلال في صنعاءَ، الذي اجتمع القبليون والجمهوريون على إبعاده، في أعقاب التَّصالح السّعودي المصري عام 1967.

ما فعلته قيادةُ «الانتقالي»، مع أنَّها لم تتجاوز تخومَ حضرموتَ في عمليةٍ استعراضية إعلامية، هو أنَّها افتعلت أزمةً لم تحقق سوى أنَّها نبشتِ الخلافاتِ مع قوى جنوبيةٍ مضادة، بما فيها الحضرمية. الهجومُ العسكريُّ وسَّعَ مفهومَ الانفصال والاستقلالات، كما عزَّز خطابَ المرتابين بأنَّ «الانتقالي» ليس إلَّا مشروعَ حوثيٍّ آخر، وخطرٌ كذلك على جارتي اليمن.

كانَ من المنتظر أن يكونَ «الانتقالي» أكثرَ تفاعلاً مع الحكومةِ الشرعية، وليس التمرد عليها، لأنَّ له مقاعدَ في المجلس الرئاسي، وهو الإطار القانوني الذي يمكن أن يسهّلَ عمليةَ الفصل لو جاءَ الوقتُ لذلك.

للانفصاليينَ حاجةٌ أكبر في إقناع كلّ الأطراف الخارجية والداخلية بمشروع الدولة، ليس بالمدرعات، بل بالتوافق. وبأنَّ محافظاتٍ، في ما كانَ اليمن الجنوبي، تتفق على نظام الحكمِ المقبل، وليست تقبل بالانفصال فقط. فالسؤالُ هو مَن سيحكمهم غداً؟ ويتطلَّبُ الأمرُ إقناعَ القوى اليمنية الشمالية بأنَّ الدولةَ لن تكونَ مصدرَ أزمات، مع طمأنة الجارتين بأنَّ المشروعَ لا يشكل خطراً على أمنِهما.

ما يفعله «الانتقالي» منذ فترة، وهو مستمرٌ فيه، أنَّه يستفزُّ المكوناتِ الجنوبية. فقد هاجمَ أكبرُها حضرموت، وكذلك المهرة التي أخافتهم من «الانتقالي».

ولنَا عبرةٌ في البريطانيين الذين استعمروا الجنوبَ اليمنيَّ 128 سنة. فرغم أنَّها الدولةُ العظمى في العالم آنذاك، فقد سعت بريطانيا إلى احتواءِ المناطق لتكتشفَ أنَّ المهمةَ ليست سهلة، وقد نجحت. أسَّست مجلساً لسلاطين الجنوب العربي، في البداية شكَّلته من 6 سلاطين، ثم زادته ليصبح 11، ثم إلى 15. ومع كثرة الخلافاتِ وسَّعته ليبلغَ العددُ 23 عضواً يمثّلونَ مناطقَ مختلفة.

يفترضُ من المجلس ورئيسِه السيد الزبيدي، قبل أن يأمرَ ميليشياتِه بالهجوم على محافظة مساحتها 48 مرةً من مساحة محافظتِه الضالع، أن يفكر في خطورة التبعات.

مثاليّاً وعمليّاً، خيارُ «الانتقالي» أن يعملَ داخل المجلس الرئاسي وضمن أطرِه الشرعية. ومن خلالِه، بمقدوره أن يحقّقَ مشروعَه في إقامة الدولة الجنوبية، إن كانَ ذلك يَلْقَى موافقةَ القوى الأخرى المعنية.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص