الرئيسية - محافظات وأقاليم - ملف - إرهاصات ومآلات يوم 2 ديسمبر 2017: ما الذي حدث قبله وما الذي تغير بعده في اليمن؟
ملف - إرهاصات ومآلات يوم 2 ديسمبر 2017: ما الذي حدث قبله وما الذي تغير بعده في اليمن؟
الساعة 07:30 مساءاً (الساحل الغربي ، ملف/ ضيف الله الصوفي:)

 

"الحوثي جزء لا يتجزأ من الأسباب التي قادت اليمن إلى الحرب؛ لهذا ندعو في هذا اليوم -الثاني من ديسمبر- جماهير شعبنا العظيم، في مختلف المدن أن يهبوا هبة رجل واحد، للدفاع عن الثورة والجمهورية، عن الوحدة والحرية من عناصر تقوم بعمل غير مسؤول، وتعبث بمقدرات الشعب منذ ثلاثة أعوام.. تنهب المؤسسات، وتقوم بتجييش الأطفال، والزج بهم إلى معارك عبثية.. كل هذا لتنتقم من الثورة، والنظام الجمهوري، من الثوار الذين فجروا ثورة سبتمبر، وحققوا وحدة اليمن.. أيها الشعب ثُرْ، ثُرْ، ثُرْ..".
 
ليست هذه كلمات وداع، كما يعتقدها البعض؛ بل هي ثورة حية، ووصية ثورية في آن واحد، من سياسي حكيم، قاد البلد لأكثر من ثلاثة عقود -كأطول فترة حكم شهدتها اليمن-، من رجل يصفه كثيرون بالراقص على رؤوس الثعابين؛ لم يتخلَ عن شجاعة القائد، ومسؤوليته تجاه الشعب والبلد.
 
ظهيرة الثاني من ديسمبر، كانون الأول من العام 2017، كانت صنعاء على موعد مع خطاب الرصاصة الأولى، حيث ظهر الرئيس صالح في خطاب مُتلفز داعيًا اليمنيين إلى انتفاضة شعبية ضد الحوثيين، في مختلف المدن اليمنية.. جاءت هذه الدعوة الثورية، تبعًا لقناعة الزعيم صالح بأن جماعة الحوثي، لا تؤمن بالتعايش مع الآخرين، ولم تعترف بالديمقراطية الشعبية، وحرية الرأي والتعبير، بجانب أنها تقود البلد إلى المجهول، وتسعى من خلال أساليب القمع والترهيب إلى إذلال الشعب، وتغيير عقيدته.
 
بعد مرور خمسة أعوام، على أحداث ديسمبر، يصادف اليوم ذكرى هذه الانتفاضة؛ لذا نحاول فتح الصفحات الأولى لهذا الملف، وتوثيق أهم التفاصيل التي حدثت، وقراءة بدايات ثورة صالح، وما هي الإرهاصات التي سبقتها، وكيف ساهمت في قلب المعادلة السياسية والعسكرية، وتغيير مجريات الأحداث الدائرة في البلد.. كل ذلك وأكثر، نناقشه مع سياسيين، وكُتّاب صحفيين، كانوا بالقرب من هذا الحدث الاستثنائي.
 
إرهاصات
 
انتفاضة الشعب، أو ثورة صالح،.. لم تأتِ بمحض الصدفة، ولم تكن حدثًا سهلًا أو عابرًا، إنما جاءت بعد سلسلة من الأحداث تبدو مترابطة مع بعضها، ولكي تتضح الصورة، نحاول العودة إلى التفاصيل التي سبقت تلك المرحلة.
 
ففي منتصف أغسطس العام 2017، بدأ الانقسام الكبير، يظهر علنًا بين صالح والحوثيين، عندما رفع الطرف الأخير شعار "مواجهة التصعيد بالتصعيد" خلال استعدادات حلفاء المؤتمر الشعبي العام، بقيادة الزعيم للاحتفال بذكرى تأسيس الحزب، المناسبة التي اعتبرها كثيرون فرصة للتعبير عن مدى رفضهم لحكم الحوثي.
 
يومها، بدت صنعاء مدينة مؤتمرية بامتياز، في شوارعها تصدح الأناشيد الوطنية، وتتزين الجدران بشعارات المؤتمر، وصور قائد الحزب.. ذاك الظهور والحشد الملفت، ربما قلَّص من حجم تواجد الحوثيين، الذي جعلهم يستشعرون خطورة الوضع، ويلجؤون إلى التضييق ومراقبة بعض الشخصيات المنخرطة في حزب صالح.
 
[كلمة الزعيم في حفل ذكرى تأسيس المؤتمر بميدان السبعين 24- 08 - 2017]
كلمة الزعيم في حفل ذكرى تأسيس المؤتمر بميدان السبعين 24- 08 - 2017
 
بعدها شهدت العاصمة تحولًا مهمًا، حيث انتشر الحوثيون بكثافة غير مسبوقة، حول ميدان السبعين، والحي السياسي بجانب انتشار الأطقم العسكرية، والدوريات في الشوارع، وعند مداخل الأحياء السكنية، بالإضافة إلى نشاط الشرطة السرية، والمخبرين.. لقد كانت فترة عصيبة بالنسبة لساكني صنعاء، خصوصًا بعد أن صار غالبيتهم تحت عيون مجهولة، ترصد التصرفات، وبسرية تبادر بالاعتقال والسجن.
 
ومع توسع دائرة الخلاف، بدأت مليشيا الحوثي بإقصاء كثير من الشخصيات، والمسؤولين في المرافق الحكومية، والاستئثار بالإيرادات الضخمة، وكافة الموارد، فضلًا عن إنشاء أسواق بديلة للمشتقات النفطية والغاز، وامتناعهم عن التوريد إلى مركزي صنعاء.. يعلل باحثون هذه الممارسات بأن الحوثيين أرادوا تأمين الموارد المالية، كي يكونوا قوة مكافئة، أمام قوة صالح الشعبية.
 
أما عقب انتهاء فعالية المؤتمر، فقد باشرت الجماعة باستحداث نقاط تفتيش في تقاطع المصباحي، وسط صنعاء، -الطريق الرابط بين منزلي الزعيم صالح ونجله أحمد.. وبحسب المعلومات فإن هذه النقطة حاولت اغتيال "صلاح" الابن الأصغر، للرئيس صالح أثناء مروره منها.. تلك الحادثة التي تسببت بمقتل خالد الرضي، رئيس العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر.. وقتها تدارك الحوثيون الأزمة، وقاموا بتشكيل وساطة قبلية لاحتواء الموقف.
 
تسارعت الأيام، وتجاذبت الأحداث بعد ذلك، بدءًا بمهاجمة جامع الصالح، بعدد من الأطقم العسكرية، ثم الاعتداء على بعض منازل تابعة لمقربين من صالح.. وفي نهاية نوفمبر من العام نفسه، سارع الطرفان إلى التحشيد والتمركز، حيث تأزم الوضع، وصولًا إلى يوم الانتفاضة.
 
تقويم المسار.. أولى التحولات
 
تعد انتفاضة ديسمبر، التي قادها صالح حدثًا مهمًا، باعتبارها أولى التحولات التي واجهت الحوثيين، انطلاقًا من أعماق مناطق سيطرتهم، وكسرت شيئًا من سياسات الاحتواء التي كانت تتبعها الجماعة حينذاك، لتمرير مشروعها الإمامي.
 
في حوار خاص يقول الدكتور عادل الشجاع، قيادي في حزب المؤتمر لـ"الساحل الغربي": "انتفاضة 2 ديسمبر كان الهدف منها رد الاعتبار للجمهورية، والتكفير عن ذنب تحالف أجبر عليه المؤتمر الشعبي العام؛ لذلك أراد الزعيم صالح أن يفك هذا الارتباط، كي يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح.. نحن اليوم ننظر إليها بعد خمس سنوات من زوايا متعددة، أولها كسرت الخوف لدى الناس، ثانيها عرّت المؤتمريين ضعفاء النفوس، الذين قبلوا بالعبودية على حساب الحرية، وثالثها ميّزت بين الجمهوريين والإماميين، ورابعها وهو الأهم كشفت أولئك المتاجرين بالمؤتمر، والمنتفعين به وباسمه.. الذين تخلوا عن الوصايا العشر، وصايا الزعيم، رحمه الله".
 
يطلق كثيرون اسم "انتفاضة الشعب" على أحداث ديسمبر، تبعًا لجماهيرية الثورة الشعبية.. يفسر عبدالواسع الفاتكي، رئيس الدائرة السياسية لتيار نهضة اليمن: "الطابع الشعبي العارم لانتفاضة ديسمبر، هو ما يجعلنا نطلق عليها انتفاضة شعبية، ولأنها أيضا جاءت في يومها المنتظر، لتخرج الجماهير الثورية في العاصمة صنعاء، في الشوارع والميادين، منتفضة ضد ميليشيا الحوثي، الأمر الذي ساهم في التحام جزء من الصف الجمهوري، ورأب الصدع الذي كان ناجمًا من الانقسام الذي خلفته أحداث 2011 وتبعاتها".
 
ويتابع: "رؤية الانتفاضة كانت تشير إلى اندلاع ثورة عارمة في كافة المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، بهدف اقتلاع جذور الإمامة، وإعادة اليمن إلى حاضرته العربية، وتخليص اليمنيين من ظلم ميليشيا رهنت مستقبل اليمن، واليمنيين خدمة لإيران ومصالحها".
 
مآلات
 
يعتبر محللون أن الانتفاضة أعادت تقويم المسار، وغيرت مجريات الأحداث الدائرة في البلد، كما ساهمت في كشف مشروع الحوثيين لجمهور عريض من اليمنيين.. يوضح الشجاع: "صحيح، لقد أعادت انتفاضة صالح تقويم المسار باتجاه الالتفاف حول الجمهورية، والوعي بمخاطر المشروع الامامي؛ لكن الصف الجمهوري لم يتوحد، وهنا ليست الانتفاضة هي المسؤولة، بقدر ما هي مسؤولية القيادات المحسوبة على الصف الجمهوري، التي ما زالت تعيش خلافات، وثارات مجانية فيما بينها، وتبحث عن مصالح شخصية على حساب المصلحة الوطنية".
 
 
ومن زاوية أخرى، يرى مراقبون أن مآلات الانتفاضة وضعت جماعة الحوثي أمام مخاطر لا يمكن تجاوزها مستقبلًا، حيث فضحت مشروعهم الامامي، ونواياهم المخفية، التي جعلتهم يفصحون عنها ويقاتلون في سبيلها؛ وعلاوة على ذلك، أصبح الحوثي وحيدًا، يرافقه الفشل الذي بات يتراكم يومًا بعد يوم.
 
يؤكد الفاتكي: "الانتفاضة كشفت زيف، وادعاءات الحوثيين، وأثبتت أنهم ميليشيا تمثل خطرًا وجوديًا على الشعب اليمني بمختلف الفئات.. جماعة لا تؤمن بقواسم العيش المشترك، فضلًا عن الثوابت الوطنية.. أزاحت الستار بشكل كبير عن أهداف الحوثيين، ونواياهم الخبيثة المختزلة في مشروعهم السلالي، ومصالح طهران، بالتالي استطاعت سلخ الحوثي، من المجتمع".
 
الهدوء قبل العاصفة
 
التقديرات السياسية تقول إن اليمنيين باتوا خلال السنوات الأخيرة أكثر تحفيزًا ورغبة بالخروج والثورة على سياسة التجويع التي يتبعها الحوثي، بجانب قمعه الحريات وسلسلة الانتهاكات بحق المدنيين.. فالمقاومة يبدو أنها تتنامى يوميًا، وبشكل ربما يقلق هذه الجماعة الحوثية.
 
 
في حديثه لـ"الساحل الغربي" يرى الفاتكي أن انتفاضة ديسمبر قد تركت أثرًا كبيرًا في قلوب اليمنيين الشرفاء، ناهيك عن شعبية صالح التي تحولت إلى بركان يتحين لحظة مناسبة للانفجار والعصف بجماعة تعبث بالبلد، وتستحوذ على مفاصل الدولة، وتحرم الشعب من أبسط حقوق العيش والحرية.
 
ومن جهته يلفت الشجاع: "بالتأكيد انتفاضة ديسمبر، شجعت الناس على كسر حاجز الخوف، وكشفت لهم حجم الضعف الذي يعتري الحوثيين، وأن الناس إذا ما وحدوا فعلهم سيهزمونها".
 
يقال إن الثورة تولد من رحم المعاناة، وما يعانيه المدنيون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي كافٍ لإشعال الفتيل.. محرومون من مرتباتهم، عاجزون عن العمل بحرية، وجبايات شهرية يدفعونها إلى جيوب الحوثي.. هذه الممارسات، لا تفسر خضوعهم أو استسلامهم؛ إنما الهدوء قبل العاصفة فالثورة لا تحتاج إلى امكانيات وسلاح، بقدر ما تحتاجه من أناس يؤمنون بأهمية التضحية، من أجل إنهاء مشروع الإمامة.
 
ويتفق كثير من الكتاب الصحفيين بأن الحوثي تمكن من السيطرة على مفاصل الدولة بقوة السلاح؛ لكنه يعجز عن امتلاك الشارع اليمني، أو كسب تأييد الجماهير.. يجزم الصحفي أصيل زكريا، بأن جماعة الحوثي لم ولن تستطيع تحويل الشعب إلى أتباع، والدليل على ذلك أن سجونها السرية تمتلئ بالعديد من كتاب الرأي والصحفيين المحتجزين في المعتقلات.
 
ثورة مستمرة
 
تسلسل الأحداث، تفيد بأن الانتفاضة الشعبية، قطعت شوطًا كبيرًا، إذ بترت أطراف الحوثيين، وحولته إلى جسد كسيح، بينما تواصل مفاعيل الانتفاضة النمو سياسيًا وعسكريًا، لاستكمال تحقيق أهدافها المرسومة، وهذا ما يؤكد أن ثورة ديسمبر لم تمت.
 
وبحسب تحليل الفاتكي، فإن الانتفاضة مستمرة من خلال جبهات الساحل الغربي، وتضحيات حراس الجمهورية، المرابطين على حدود الجبهات في مختلف المدن اليمنية، أولئك المدافعون عن الوطن.. ويرجح الرجل بأن صنعاء على موعد مع ثورة مكملة لانتفاضة ديسمبر.
 
في الوسط اليمني، ثمة من يرى أحداث الثاني من ديسمبر على أنها امتداد لثورة 26 سبتمبر التي ناهضت الحكم الإمامي سنة 62 من القرن الماضي.. يعلل الشجاع: "بالفعل انتفاضة ديسمبر هي امتداد لثورة 26 سبتمبر، لأنها أيقظت الناس، للالتفاف حول الجمهورية، بعد أن اعتقدت جماعة الحوثي أنها قد ابتلعتها من خلال انقلابها في 21 سبتمبر، لذا تبقى ثورتنا مستمرة".
 
اليوم، وبعد خمسة أعوام تبدو الانتفاضة في أعين اليمنيين حدثًا استثنائيًا محفورًا على جدران ذاكرة الشعب، لتبقى ذكرى مستدامة، ودلالة على ما قدمه حزب المؤتمر الشعبي في سبيل استعادة الوطن، وإحياء لمبادئ الثورة والحرية، والتمسك بالجمهورية.. هكذا لن ينسى اليمنيون ثورة الثاني من ديسمبر، تلك الانتفاضة الشعبية التي أدخلت الحوثيين في حالة من الاضطراب والعشوائية، ناهيك عن ما حققته من أهداف، وما تهدف إليه اليوم.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
تواصل معنا