
عقد الاستاذ أحمد أحمد غالب، محافظ البنك المركزي اليمني، سلسلة لقاءات حاسمة خلال الأسبوع الجاري مع ممثلي القطاع المصرفي والهيئات الدولية، ركّزت على تفعيل الآلية الوطنية لتمويل وتنظيم الاستيراد، وتعزيز الشفافية في العمليات المصرفية، في مسعى لاستعادة الاستقرار النقدي وحماية المواطنين من تداعيات الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وتأتي هذه الجهود في ظل ضغوط متصاعدة ناجمة عن استمرار الهجمات الحوثية على البنية التحتية النفطية، وانعكاساتها الكارثية على الموارد المالية للدولة.
ففي لقاءٍ واسع النطاق مع مسؤولي البنوك التجارية والإسلامية وشركات الصرافة صباح الأربعاء الموافق ٦ أغسطس، شدّد المحافظ على الدور المحوري للقطاع المصرفي في نجاح آلية تنظيم الاستيراد التي أقرتها اللجنة الوطنية مؤخراً، موضحاً أن هذه الآلية تهدف إلى ضمان وصول السلع الأساسية عبر قنوات رسمية، ومحاربة الأنشطة غير القانونية التي تهدد الاستقرار المعيشي.
ونوّه إلى أن الإجراءات المرتبطة بالتمويل ستُطبّق حصرياً عبر البنوك المعتمدة، مع تحديد قائمة سلع أساسية – تشمل الوقود والأدوية والمواد الغذائية – يُمنع استيرادها إلا بمصادقة مصرفية رسمية.
وعبّر المحافظ عن أسفه لاستهداف بعض فروع البنوك وشركات الصرافة بأعمال تخريبية مؤخراً، مؤكداً أن السلطات الأمنية ستعامل مع هذه الانتهاكات "وفقاً لأحكام القانون"، داعياً إلى تعزيز التعاون بين البنك المركزي والقطاع المصرفي لخدمة المصلحة العامة.
وقد سبق هذا اللقاء اجتماعٌ حاسم مع السيدة ليبيكا شودهوري، منسقة فريق خبراء لجنة العقوبات بمجلس الأمن الدولي، في مقر البنك بالعاصمة المؤقتة عدن يوم الخميس الموافق ٢٤ يوليو، حيث استعرض الطرفان التداعيات الاقتصادية الخطيرة لاستمرار الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط الخام.
وأوضح المحافظ أن توقف الإنتاج النفطي – الناشئ عن هذه الهجمات – أدى إلى شحٍّ حاد في الموارد، يهدد قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين وتوفير مشتقات الوقود لمحطات الكهرباء في ظل الموجة الحارة القياسية التي تجتاح البلاد.
كما سلّط الضوء على تأثير التهديدات الحوثية في البحر الأحمر على حركة التجارة الدولية، لافتاً إلى ارتفاع تكاليف التأمين البحري وانعكاسه المباشر على أسعار الغذاء والدواء.
وفي السياق ذاته، أكّد على التزام البنوك اليمنية بنقل مقارها إلى عدن وفقاً لأعلى معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عقب تصنيف الميليشيات الحوثية منظمة إرهابية دولياً من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، معتبراً أن هذا الإجراء يسهم في تعزيز مصداقية النظام المالي اليمني دولياً.
كما عقدت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات اجتماعها الرابع برئاسة المحافظ يوم الخميس ، حيث أقرّت اللوائح التنفيذية الكاملة لآلية الاستيراد، بما في ذلك بدء تفعيل النظام اعتباراً من الأحد الموافق ١٠ أغسطس، عبر استقبال طلبات المصارفة من التجار والشركات عبر البنوك وشركات الصرافة وفق نماذج موحدة.
وأشار الاجتماع إلى ضرورة منع تحويل الأموال لاستيراد السلع المُدرَجة في القائمة عبر أي قنوات غير رسمية، مع تأكيد عدم شرعية العملة المزورة التي أصدرتها الميليشيات الحوثية من فئات (١٠٠، ٥٠، ٢٠٠ ريال)، ووصفها بأنها "جزءٌ من نهب منظم لمدخرات المواطنين".
وناشدت اللجنة جميع الأطراف التعاون لإنجاح الآلية الجديدة، باعتبارها "ركيزةً أساسية لاستقرار سعر الصرف ومحاربة التهريب والمضاربات التي تستهدف زعزعة الأمن المعيشي في المناطق المحررة".
ويأتي هذا التحرك المتكامل في إطار سعي البنك المركزي لترجمة خطة التعافي الاقتصادي إلى واقع ملموس، عبر ربط السياسات النقدية بمعالجة الجذور الهيكلية للأزمة، من انعدام الشفافية إلى استهداف البنية التحتية الإنتاجية.
وتشير المصادر إلى أن نجاح هذه الآلية سيعتمد على درجة التزام الأطراف المحلية والدولية بمعايير الحوكمة، في وقتٍ تُعدّ فيه خطوات مثل نقل البنوك إلى عدن ومحاربة التزييف النقدي مؤشراتٍ أولية على جدية التعافي المؤسسي.

- المقالات
- حوارات