
عقدت قيادة الحملة الأمنية المشتركة في محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، صباح الخميس، مؤتمرًا صحفيًّا حمل في طياته مزيجًا من الإنجازات المُعلنة والتحديات المُحتملة.
وسط حضورٍ لافتٍ لقادة عسكريين وأمنيين، كشف اللواء عبدالعزيز المجيدي، رئيس أركان محور تعز، عن "انفراجةٍ محورية" في التحقيقات الخاصة بجريمة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين، مُعلنًا مقتل المتهم الرئيسي محمد صادق خلال مقاومته لقوات الحملة في حي الروضة شمال المدينة صباح أمس الأربعاء.
وقال المجيدي بلهجةٍ حازمة: "لن نسمح لأي مسلحٍ بأن يهدد أمن المدنيين، وسنتابع المطلوبين حتى آخر واحد"، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن العمليات لن تتوقف عند الحدث الحالي، بل ستمتد لمعالجة ملفاتٍ أمنيةٍ مزمنةٍ في المدينة المحاصرة.
إحصائيات تثير التساؤلات
لم تقتصر الحملة على جريمة أفتّهان، بل وسّعت نطاق عملياتها لتشمل قضايا قتلٍ أخرى، وفق ما كشف عنه العميد أنيس الشميري، نائب مدير شرطة تعز، الذي أعلن عن القبض على 31 مطلوبًا أمنيًّا خلال ستة أيام فقط، بينهم متورطون في جرائم اغتيالات سابقة.
وبرر الشميري هذه "النسبة القياسية" من الضبطيات بـ"التنسيق الميداني الدقيق"، مُشيرًا إلى أن شرطة تعز تحقق حاليًّا نسب ضبطٍ تصل إلى 90% من إجمالي الجرائم الجنائية المسجلة شهريًّا (300-400 جريمة)، وهو رقمٌ وصفه بـ"الملفت" في ظل الانفلات الأمني الذي تعانيه المدينة منذ سنوات.
لكن السؤال الذي تردّد في أذهان الصحفيين الحاضرين: كيف تُحقق هذه النسبة العالية بينما لا تزال تعز تُعاني من انتشار السلاح وغياب هيبة الدولة؟ أجاب الشميري بدعوةٍ مُباشرةٍ للمواطنين: "التعاون معنا هو سر نجاحنا. كل معلومةٍ تصلنا تُصبح جسرًا نحو العدالة".
مأساة أفتّهان: من جريمة إلى رمز
لم تكن جريمة اغتيال أفتّهان مجرد قضيةٍ فرديةٍ في سجل الشرطة، بل تحولت إلى اختبارٍ حاسمٍ لمصداقية الأجهزة الأمنية.
فقد كشف المؤتمر أن التحقيقات كشفت تورط شبكةٍ واسعةٍ من المطلوبين، بعضهم متخصصون في تنفيذ عمليات الاغتيال باستخدام دراجات نارية لتسهيل الهروب، وهو الأسلوب ذاته الذي استُخدم في مقتل الشهيدة.
ورغم مقتل المتهم الرئيسي، يبقى السؤال الأصعب: من أمرَ بالجريمة؟ هنا، تجنب المسؤولون الإجابة المباشرة، مكتفين بالإشارة إلى أن "التحقيقات جارية لكشف الخيوط الخفية"، في إشارةٍ إلى أن القضية قد تصل إلى دوائر نفوذٍ أوسع من مجرد "مجرمين فرديين"، كما وصفهم المؤتمر الصحفي.
الشارع: بين الترحيب والريبة
في شوارع المدينة وفي صفحات التواصل حيث تتوالى ردود الفعل حول ما كشفت عنه اللجن المشتركة في المؤتمر الصحفي فقد تباينت تلك الردود فهناك من يتساءل إذا كانت الحملة جادة، فلماذا لم تُوقف جرائم الاغتيال قبل أن تصل إلى أفتّهان؟".
بينما رأى ناشطٌ محليٌّ، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الإحصائيات المُعلنة تفتقر إلى الشفافية، فكيف تُحل 90% من الجرائم بينما تنتشر نقاط التفتيش العشوائية التي تُمارس فيها ابتزازاتٌ يومية؟".
هذه الشكوك ليست بلا سبب،حيث يقول ناشكون ان استفزازت كبيرة متواصلة للمعتصمين في شارع جمال ، ما يُعيد طرح سؤالٍ قديم: هل الحملة قادرةٌ على العمل بمعزلٍ عن الصراعات الداخلية بين الفصائل المسلحة؟
الإعلام: حليفٌ أم مُضخّم؟
في محاولةٍ لبناء جسرٍ مع الرأي العام، أشاد العميد الشميري بدور وسائل الإعلام في "نقل الحقائق من مصادرها الرسمية"، مُثنيًا على ما وصفه بـ"المسؤولية المهنية" للمراسلين.
لكن الواقع يُظهر أن الثقة بين الشارع والسلطات ما زالت هشة. ففي مديريات المحافظة وشبكات التواصل ووسائل الاعلام ، تنتشر شائعاتٌ عن " سجون سرية" بين بعض القيادات ومرتكبي الجرائم، بينما تُصرّ المنصات المحلية على تغطية كل تفصيلةٍ تُظهر تناقضاتٍ في الروايات الرسمية.
حيث يعتقد ان الكثير من الناشطين ان الإعلام الرسمي يروي نجاحات الحملة، لكنه يتجاهل أن المواطن يرى في الشارع ما لا يُقال في المؤتمرات.
التحدي الأكبر: تحويل الإنجازات إلى ثقة
رغم الإعلانات المتفائلة، تبقى تعز مدينةً تُصارع شبح الانهيار الأمني. فالحملة التي تُركّز حاليًّا على "المطلوبين الفرديين" قد تواجه صعوبةً في مواجهة الهيكل الأمني المنهار، حيث تتحكم الفصائل المسلحة في بعض الاماكن والحارات، وتُستخدم الأحياء كحصونٍ لا تُخضعها أي سلطة كما هو الحال في كلابة والروضة.
ورغم دعوات الشميري للمواطنين إلى "الإبلاغ عن المظاهر المسلحة"، يخشى كثيرون من الانتقام، خاصةً بعد أن كشفت تحقيقات سابقة أن بعض الجرائم تُنفذ بدعمٍ من اشخاص محسوبون على جهاتٍ داخليةٍ وهو ما تكشفه العديد من فيديوهات منتشرة على شبكات التواصل لمواطنين ضاعت قضاياهم .
الدماء أمانة.. والوعود تحت الاختبار
في ختام المؤتمر، وقف العميد الشميري مُكررًا وعده: "دماء أفتّهان أمانة في أعناقنا، ولن نهدأ حتى يُحقّق العدل". لكن في شوارع تعز، حيث تُرفع صور الشهيدة على الخيام المنصوبة جوار مبنى المحافظة، يتساءل المواطنون: كم جريمةٍ ستحتاجها مدين تعز حتى تعود هيبة القانون؟ الجواب، كما يبدو، ليس في الإحصائيات المُعلنة، بل في قدرة الحملة على كسر حلقة الإفلات من العقاب التي جعلت من تعز ساحةً للدمار.
ففي مدينةٍ تُحاصرها الحروب من كل الاتجاهات، يصبح أبسط مطلبٍ مدنيٍّ - العيش الآمن - تحديًا وجوديًّا. واليوم، بينما تُعلن الحملة عن "انفراجة"، يظل السؤال الأهم مفتوحًا: هل ستكون أفتّهان آخر شهيدةٍ تُضحى بدمائها من أجل لفتة انتباه؟ أم أن تعز ستجد طريقها إلى العدالة قبل فوات الأوان؟

- المقالات
- حوارات